مقبرة فرندة… صرخةٌ صامتة من أعماق الموتى – مقال محمد سبع

مقبرة فرندة… صرخةٌ صامتة من أعماق الموتى – مقال محمد سبع

أخبار بلا حدود- في مدينة فرندة، حيث التاريخ العريق والحضارة التي تشهد عليها آثارها القديمة، تقع مقبرة سيدي أحمد بن داود، التي لطالما كانت شاهدة على وداع الأحباب ودموع الراحلين.

لكن ما يؤلم حقاً، هو ما آلت إليه هذه المقبرة من وضع لا يليق لا بحرمة الموتى ولا بمكانتها في ذاكرة السكان.

تحولت المقبرة من مكان للسكينة والدعاء، إلى فضاء للفوضى والإهمال، ومرتع لكل من لا يعير للأخلاق والدين أي اعتبار.

إنها لم تعد مقبرة بالمعنى الحقيقي، بل أصبحت طريقاً مختصراً يمرّ عبره التلاميذ يوميًا للوصول إلى الثانوية والمتوسطة، كما يتخذها المارة مسلكًا سريعًا نحو السوق الأسبوعي أو أماكن أخرى كالأحياء او قاعة الرياضة.

هذا المرور اليومي، الذي بات عادياً في نظر البعض، يعبّر عن حالة الانكسار الرمزي الذي أصاب قدسية المكان، حتى بات العبور بين القبور أمرًا مألوفًا لا يثير أي استنكار.

أما الأبواب الأربعة للمقبرة، فهي مفتوحة على مدار اليوم، لا حراسة، ولا إغلاق ليلي، ما جعل المكان عرضة للانتهاكات المتكررة.

الأطفال يتخذون من ساحاتها ملاعب لكرة القدم وهم يركضون ويصرخون، فيما يقصدها اخرون كمتنزه، دون أدنى شعور بعظمة الموت أو هيبة المكان.

الأغنام تجول بكل حرية، ترعى بجوار أضرحة من كانوا يومًا يعيشون بيننا، في مشهد صادم يُجسّد الإهمال بأبشع صوره.

ولعلّ أكثر ما يدعو للقلق والخوف، هو ما أصبح يُمارَس في الخفاء داخل المقبرة، حيث وجد بعض المشعوذين وأصحاب النفوس المريضة في هذا المكان المهمل ساحة لممارسة طقوس السحر والشعوذة؛ يدفنون طلاسمهم بين القبور؛ يلوّثون الأرض التي احتضنت أجسادًا طاهرة، ويزرعون الرعب الروحي في نفوس الزوار؛ تلك التصرفات، إلى جانب كونها محرّمة دينيًا ومرفوضة أخلاقيًا، فإنها تمثل خطرًا حقيقيًا على المجتمع وتستدعي تدخلاً عاجلاً من السلطات المعنية.

ولا يخفى على أحد أن المقبرة أصبحت على مشارف الامتلاء، فالقبور تتراكم بشكل عشوائي، دون تنظيم، وكل دفن جديد يزيد من اختناق المكان، ما يجعل من الضروري التفكير في فتح مقبرة جديدة، أو على الأقل تنظيم ما تبقى من مساحة بطريقة تحفظ الكرامة وتحترم الموتى.

أمام هذا الواقع المؤلم، تطرح عدة تساؤلات نفسها: أين هي الجهات المسؤولة؟ أين دور البلدية في حماية حرمة الأموات؟ أين المجتمع المدني، الأئمة، والنشطاء؟ هل ننتظر كارثة أخلاقية أو صحية حتى نتحرك؟ أم نبادر إلى التغيير ونحن لا نزال قادرين على تصحيح المسار؟

مقبرة سيدي أحمد بن داود لا تطلب الكثير. هي فقط تنادي بصوت صامت: “أعيدوا لي كرامتي”. تحتاج إلى حراسة دائمة، ترميم للأبواب، تنظيم لعمليات الدفن، وتطهير من كل مظاهر السحر والعبث.

تحتاج إلى أن نعيد لها طابعها الإنساني والديني، وأن نتعامل معها كمكان للراحة والهدوء والتذكير بيوم الرحيل، لا كطريق للعبور أو ملعب أو ساحة مفتوحة للغرباء.

فلنتحرك قبل فوات الأوان… لأن حرمة الميت، مسؤولية حيّة.

سبع محمد: فرندة من ماض مجيد إلى حاضر مرير

محمد سبع – الجزائر

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

لخضر بن العيطر

التغريبة الفلسطينية: 19 عامًا من الألم واللجوء ورؤى نكبة جديدة – مقال لخضر بن العيطر

أخبار بلا حدود- قبل عام ونصف وفي ذكرى التغريبة الفلسطينية وبعد طوفان الأقصى كتبت وتساءلت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!