أخبار بلا حدود – بدأت حكومة مدريد تتهم روسيا بالوقوف وراء تشجيع الجزائر في التسبب بالأزمة الحالية بين البلدين التي من عناوينها تجميد اتفاقية الصداقة وحسن الجوار، وتنسب ذلك إلى ما يتجاوز نزاع الصحراء الغربية إلى احتضان إسبانيا قمة الحلف الأطلسي نهاية الشهر الجاري.
واندلعت الأزمة الحالية في أعقاب تأكيد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز الأربعاء الماضي في البرلمان، على دعم مقترح الحكم الذاتي حلا لنزاع الصحراء.
وهو الموقف الذي اعتبرته الجزائر مستفزا لأجندتها الإقليمية كداعمة لقيام الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية.
وجاء الرد في اليوم نفسه بتعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار بين البلدين، ثم قرار الجزائر منع الواردات والصادرات من وإلى إسبانيا باستثناء تصدير الغاز، وتراجعت عن قرار تجميد المبادلات التجارية.
وكانت الأوساط السياسية في الاتحاد الأوروبي وإسبانيا قد بدأت تتحدث عن دور لروسيا في الأزمة بين مدريد والجزائر، وتربطها بالتطورات التي تجري نتيجة الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وهو ما تناولته “القدس العربي” في مقال الجمعة الماضية بعنوان “وسط تخوف من دور روسي ووقف اتفاقية الشراكة.. الاتحاد الأوروبي ينبه الجزائر لتداعيات قرار تعليق التجارة مع إسبانيا“.
وركزت الصحافة الإسبانية ولأول مرة، على دور روسي في هذه الأزمة.
وكتبت جريدة “كونفدنسيال” كيف اتصل وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس مساء الجمعة الماضية بعدد من مسؤولي الأحزاب السياسية وبعض رجال الأعمال الذين لديهم مشاريع في الجزائر، ليخبرهم بأن المفوضية الأوروبية أبلغته بدور روسي في هذه الأزمة لخلق أزمة في الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي بعد الحرب التي تشهدها الحدود الشرقية للاتحاد جراء حرب أوكرانيا.
وتذهب جريدة “إلباييس” بدورها في هذا المنحنى، وكتبت: “الاتحاد الأوروبي يرى يد روسيا في الضغط الجزائري على إسبانيا”، وتنقل عن مصادر أوروبية الدور الذي لعبه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هذا الشأن عندما زار الجزائر 10 مايو الماضي.
وخصصت افتتاحية للأزمة الحالية، مشيرة إلى المستوى الاستراتيجي للتنسيق الروسي- الجزائري في مختلف القضايا ومنها إعادة تحريك نزاع الصحراء.
وتتجلى الرواية الأوروبية حول الدور الروسي في تخطيط موسكو لتوظيف الجزائر صادرات الغاز من أجل خلق توتر في إسبانيا، ثم التسبب في توتر بين روما ومدريد نظرا لتفضيل الجزائر إيطاليا في مشاريع الغاز، لا سيما بعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى روما منذ أسبوعين.
وكل هذا سيؤدي إلى التوتر في حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية، مما سيؤثر على قمة الحلف الأطلسي في مدريد نهاية الشهر الجاري والتي ستكون منعطفا في التعاطي مع روسيا بسبب شنها الحرب ضد أوكرانيا.
وسبق للاتحاد الأوروبي وحكومة مدريد اتهام الاستخبارات الروسية بلعب دور رئيسي في أزمة محاولة انفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا منذ خمس سنوات.
وأصبحت هذه الأزمة هي المسيطرة على المشهد السياسي الإسباني، لا سيما وأنها تتزامن والحملة الخاصة بالانتخابات التشريعية في حكومة الحكم الذاتي في إقليم الأندلس، أكبر أقاليم البلاد، وتعد الانتخابات فيه مؤشرا على ما يجري وطنيا.
واتهم رئيس الحكومة بيدرو سانشيز الحزب الشعبي المحافظ، المتزعم للمعارضة، بدعم الموقف الجزائري على حساب إسبانيا. في المقابل، اتهمت المعارضة الحكومة بالتسبب في أزمة كانت إسبانيا في غنى عنها، واللجوء إلى الاتحاد الأوروبي لكي يساهم في الحل.
ويوم 08 جوان 2022، أعلنت الجزائر عن تعليق “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” وتجميد المعاملات التجارية مع إسبانيا بعد تغيير موقفها بشأن الصحراء الغربية لدعم موقف المغرب.
وأشارت إلى أن “السلطات الإسبانية باشرت حملة لتبرير الموقف الذي تبنته إزاء الصحراء الغربية والذي يتنافى مع التزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية كقوة مديرة للإقليم والتي لا تزال تقع على عاتق مملكة إسبانيا إلى غاية إعلان الأمم المتحدة عن استكمال تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية”.
وأعربت مصادر دبلوماسية إسبانية عن أسف مدريد لقرار الجزائر تعليق معاهدة التعاون بين البلدين.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه بشأن تعليق الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، ودعاها إلى إعادة النظر في هذا القرار وحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية.
وأفادت مصادر دبلوماسية إسبانية بأن وزير الخارجية، خوسيه مانويل ألباريس، توجه إلى بروكسل لبحث الأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والجزائر.
ونقلت وكالة أنباء “إفي” الإسبانية عن هذه المصادر قولها: “يغادر وزير الخارجية.. متوجها إلى بروكسل لبحث الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية للتجارة والاقتصاد، فالديس دومبروفسكيس”.
وكان وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، قد صرح بأن الحكومة الإسبانية تعكف على تحليل العواقب التي أسفر عنها قرار الجزائر بتعليق معاهدة الصداقة ومنع المؤسسات المصرفية في البلاد من القيام بعمليات الاستيراد والتصدير مع البنوك الإسبانية وأنها تنوي الرد “بحزم”.
وكان المحلل الاقتصادي والخبير في الاستثمارات، عبد القادر سليماني أكد في تصريح خص به موقع “شهاب برس”، أن قرار الجزائر بتعليق “معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” ومنع منع عمليات التصدير والاستيراد من وإلى اسبانيا قرار سيادي ينم عن السياسة الخارجية للدولة الجزائرية الداعمة للقضايا العادلة وتصفية الإستعمار في العالم.
وأوضح سليماني أن قرار الجزائر بمثابة وسيلة ضغط على مدريد حتى يرجع رئيس الوزراء الإسباني عن قراره الداعم للمخزن المغربي.
كما أكد أن الجزائر ضامن أساسي للأمن الطاقوي للجنوب الأوروبي خصوصا إيطاليا والبرتغال وإسبانيا.
اقتصاديا، قال المحلل سليماني أن هناك عقد طويل المدى في مجال تمديد الغاز، ولايمكن للجزائر إلغاء الاتفاقية، مشيرا أنه يمكن للجزائر أن تعيد النظر في تسعيرة الغاز دون الإخلال بالتزامات ببنود التصدير.
وأتم المحلل الإقتصادي سليماني حديثه: “الجزائر لن تقطع العلاقات مع مدريد، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يأخذ بإسبانيا كرهينة لحساباته الشخصية”.
وتوترت العلاقات بين الجزائر وإسبانيا مطلع شهر مارس الماضي على خلفية الموقف الإسباني المستجد من أزمة الصحراء الغربية والذي أثار غضب الجزائر، حيث أظهرت إسبانيا ميلها للطرح المغربي، مما دفع الجزائر لتحميل إسبانيا مسؤولية توتر العلاقات، بسبب ما وصفته بتنصل سياسي وأخلاقي من المسؤوليات التاريخية لإسبانيا بصفتها المستعمر السابق للمنطقة.
كما عبرت الجزائر عن غضبها من تعليق “وُصف بغير المقبول” من قبل وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس،والذي يعتبر مساسا بشخص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وكان الرئيس تبون قد طمأن الأسبان حول مصير اتفاقية الغاز، مؤكدا أن الأزمة التي تشهدها العلاقات الرسمية بين البلدين لن تؤثر على إمدادات الجزائر لأسبانيا، في حين أكد في تصريحات لاحقة عدم عودة السفير الجزائري بمدريد بعد سحبه، معتبرا أن وقت عودته لم يحن بعد باعتبار أن معطيات سحبه لازالت قائمة.
وقد غيرت مدريد من موقفها تجاه الأزمة في الصحراء الغربية بعدما كان منسجما مع الطرح الجزائري، الذي يعتبر أن الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا.