سميرة بيطام: تطبيق القانون بين نزوة الاستبداد وضرورة الانصاف

سميرة بيطام
 
  • تطبيق القانون بين نزوة الاستبداد وضرورة الانصاف
  • سميرة بيطام

يعتبر القانون المادة الأساسية للاحتكام إزاء الخلافات والنزاعات على مدى قرون من الزمن ، بداية من قانون حمو رابي العراقي وصولا الى تشريعات مغاربية تتلمذت على قانون دولة نابليون وجلعت منه المرجعية لصون الكرامات واسترداد الحقوق ،لكن بطريقة لا تبعث على الارتياح الكامل ،لأن الاستنساخ يعتبر حلقة وصل وهمزة ربط بين التاريخ القديم والحديث أن للمستعمر كلمة او تواجد بأثر قانوني في طريقة التقنين أو التشريع ، ثم الترفع عن مجريات التاريخ وما خلفه من مآسي بسبب هذا المستدمر الغاشم الذي بقي يحاول لحد هذا الزمن الحديث في أن يفرض وصايته على مستعمراته القديمة والتي يريدها مستقبلية جديدة، برغم الاستحالة القائمة في أن تقبل الشعوب بعد مواقف الوعي التي غذت بها ذاكرتها العنيدة أن تبقى خاضعة لفكرة الاستعمار التي عطلت مسار التغيير الذي أملته شعوب أُستضعفت بالأمس وتأبى اليوم الا أن تتحرر من جملة الفرض للواقع بالقوة وأي واقع طبعا واقع التبعية ، ففكرة الاستعمار حين تطلقها الشعوب حتما ستتغير المفاهيم الحالية للقانون ،فيصبح من آلية النقل والاستنساخ للقواعد المنظمة للسلوك الى قواعد ترقى الى مستوى تطلعات المظلومين بتنوع المظالم والتعدي على كل ما من شأنه أن يمس بالكرامة الإنسانية.

وعليه وبعد انتضار طويل الأمد لمشروع المنظومة القانونية ،حتما ستتغير القوانين مهما تعددت أنواعها ومحاور الاهتمام فيها بتنظيم السوك والتذييل في صفحات العرائض لاستعادة الحق المسلوب تعسفا على مختلف المستويات أنه حق وجب الدفاع عنه بشتى الطرق و الإمكانيات المتاحة وحتى ان لم تكن متاحة يفترض البحث بالتفكير الرزين عن منافذ جديدة قد توصل لما هو منشود على جميع أماكن التفاعل ،سواء إدارة أو سجون أو مدارس أو جامعات أو منظمات مجتمع مدني ،لابد أن ينظمها قانون عادل وصارم في نفس الوقت، فينتقل القانون الإداري مثلا من صيغته الشكلية فقط الى المساس بالمضمون لتتغير الرؤى والتحليلات وبعدها الأحكام كتحصيل حاصل، فتصبح من أحكام نهائية غبر قابلة للطعن الى أحكام قابلة للطعن اذا أُستنفذت طرق استخلاص الأدلة والتي في غالبها تكون مبهمة أو غير مستخلصة بطرية صحيحة خاصة اذا تم اغفال دور الشهود واستقراء الوقائع بنوع من الموضوعية والمصداقية للضرر الذي اتخذ صبغة نهائية في عدم القابلية للفصل فيه بطريقة يراها المتعسف في حقه أنها لم تقف في صف مظلمته، وعليه سينتقل المجتمع وأروقة العدالة شيئا فشيئا من اليأس في إستخلاص الأدلة الدامغة الى إمكانية إيجاد هذه الأدلة ومن الأحداث نفسها، فمثلا امضاء مسؤول ما لإنهاء مشوار موظف بحجة أنه اهمل منصبه يحوم عليها حتما شك ،اذا كيف بعاقل أن يترك عمله هكذا دون أدنى مسؤولية ودون أدنى شعور بقيمة العمل خاصة اذا كان عمر المشوار المهني سنوات لو لم تكن الدوافع قوية و غير قابلة للتصدي لها فهي كالطوفان ان جرفت أغرقت ،فكيف في لحظة ما وفي موقف ما يترك الممتهن منصبه بدعوى الإهمال؟.

هذا مجرد طرح على سبيل المثال ،وعلينا أن نستدل بمواد قانونية تدافع عن رؤيتنا للقوانين الحديثة التي تبقى ناقصة ويشوبها الخضوع لمنظومات قانونية استعمارية ،هكذا يُنظر لمرجعية هذه القوانين أن منوال تقنينها استعماري ، ويا حبذا لو كانت المرجعية دول غير مستعمرة لأمكن القول أنها مسار لانتهاج الرقي في القوانين باعتبار أن الدول الأجنبية متفتحة على فكرة الديمقراطية التي تسمح بأن تعطي للمظلوم نصيبه الكافي من الدفاع عن نفسه، لكن لما تكون مرجعية ديباجة القوانين العربية خاصة المغاربية هي من مسودات مشاريع مسبقة لقوانين تمهيدية لا تتوافق مع دول مستعمرة سابقا ولها تاريخ استعماري حافل بالمظالم و الخروقات ، فهنا يمكن القول أن تغيير الموسوعة التشريعية الحالية ستتأخر قليلا حتى يتم التحرر من فكرة القابلية للاستعمار ،على لسان المفكر الجزائر مالك بن نبي رحمه الله ،وهو منطق واقعي لا يمكن مقابلته بفكرة أو موقف آخر يلغيه أو يقلل من تأثيره في صياغة وتقنين القوانين القديمة والحالية.

طبعا لن يكفي استعراض بعض مواد القانون الجزائري كحجية لما سبق الحديث عنه ، لأن الفكرة في هذا المقال ستنشر على أوسع نطاق بمعني فيه عرب وغير العرب من سيقرٍونه وكل سيقوم بعملية ااسقاط على قوانين دولته ،وأكيد العنصر المشترك بين القوانين العربية أن لها صياغة مشتركة تتشابه فيها وبحسب علمي قانون البصمة الوراثية الصادر بالجزائر سنة 2016 طريقة صياغته هي نفسها طريقة صياغة نفس القانون في التشريع القطري وأتصور أن إشكالات التطبيق ستكون نفسها وسيدور محورها حول وجود فراغات قانونية لم نكن بحاجة اليها سواء في موقعنا كمطالبين للحق أو على مستوى المحامين الذين لم يجدوا بندا لدفاعهم يزيد من قوة بناءاتهم للدفوع التي يقدمونها في بعض النقاط التي لا تدعم أسانيدهم في اثبات تهمة ما ، وحتى على مستوى القضاة الذين سيحكمون وفق قواعد قانونية لا تقبل النقاش ولا التغيير في وقت آني.

وهده الفراغات و النقائص هي من تعطي للمستغلين لها خاصة أصحاب النفوذ في أن يوظفوها في تطبيق و تفعيل رغبتهم المستبدة بأن يطبقوا القانون كما هو لتمرير آرائهم بل قراراتهم التعسفية ،وهو بمثابة الخلل الكبير أن يبقى القانون الإداري في الجزائر يحافظ على صبغته الشكلية رغم طرح العديد من القضايا على مستوى القضاء والتي من شأنها أن تفتح الاجتهاد لأهل الاختصاص وليس أمام الكل حتى لا نصير أمام فوضى قانونية، قلت فتح المجال أمام أهل الاختصاص في أن يقدموا بمذكرات مراجعة بعض المواد التي حافظت لعقود من الزمن على اطارها الذي لم يعد يتماشى وتطورات العصر من تنوع في الجريمة الإدارية والمعنى المقصود هنا هو الإرهاب الإداري وتذبذب في شهادات الشهود التي لن تلقى لها جانب واقعي حقيقي من المواجهة في ظل التخوف من الادلاء بالرأي الصحيح كما شهدته ساحة الوقائع، وهو ما من شأنه أن يجعل القانون بين مطرقة الاستبداد الشخصي لأي انسان في موقعه وأكثريتهم المسؤولين بين سندان الانصاف الذي لأجله تسعى العدالة لأن تقوم بواجبها ضمانا لحقوق من الضياع أو الانقاص من قيمتها، خاصة وأن منظمات الدفاع عن حقوق الانسان اليوم تسعى لأن توفر ضمانات للحق ولكن بما يقتضيه واقع الحال وليس ما بما تقتضيه الزامية الدفاع عن المتعسف في حقهم وبقاء النقابات التي تحمل لواء ضمان هذا الحق محايدة في بعض المسائل ، لكنها تظل محايدة في الوقت الضروري للدفاع عنها لأنها تتبع ما تمليه الإدارة من مسار وجب الخضوع له خاصة اذا كان المتعسف في حقه شخص غير مرغوب فيه وهنا القانون لن يتمكن من تكييف هذه الصفة لأنها تعتبر بمثابة عملية شخصنة للقوانين في حال تم الرجوع اليها وفق وما يتطلبه واقع الحال وهو غير مسموح بها حتى لو كانت الوقائع والدلالات كلها تشير الى أن هناك ظلم واضح و تعسف مستنتج من ملابسات الأحداث المتسلسلة وحتى من مضامين القرارات التعسفية المتخذة في القضية، وعليه يبقى القانون بصفة عامة محاصرا بين الاستبداد لنزوة الشخص المتكبر والمتغطرس وبين الأنصاف كمبدأ ينشده الاجتهاد القضائي في مجمل القضايا العادلة أو التي يفترض أنها عادلة.

جميع الحقوق محفوظة للاستاذة : سميرة بيطام

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: ماذا خسرت الجزائر بموت قاماتها؟

أخبار بلا حدود- وتسجل الجزائر مرة أخرى ضمن مقادير الله عزو وجل رحيل الهامة الكبيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!