سميرة بيطام: الدفاع عن مقومات الهوية الجزائرية تكملة لمسيرة المفكر عثمان سعدي

سميرة بيطام: الدفاع عن مقومات الهوية الجزائرية  تكملة لمسيرة المفكر عثمان سعدي

  • الدفاع عن مقومات الهوية الجزائرية تكملة لمسيرة المفكر عثمان سعدي
  • سميرة بيطام

منذ أيام رحل عنا المفكر الكبير والمدافع عن العربية بلا منازع الشخصية القديرة عثمان سعدي، شخصية ذكية لم تتوان طيلة مسيرته الغنية عن الدفاع بمواقف مشرفة للدين وللغة وللوطن، قترك مؤلفات وكتبا مواقفا وتحليلات حري اليوم أن يعاد توزيعها واحياء مناقبها للجيل الصاعد حتى لا يموت العظماء في صمت، تجسيد لما بدأوه من ملحمة هو تكملة لها برفع المشعل حتى لا يخبو ومنحه للجيل الصاعد ليقتفي الأثر ويتعلم الحجة ويستلهم العبرة، نرفض أن يوارى الثرى علماؤنا دون تبجيل لأعمالهم التي قُدت بماء الذهب، هي أعمارهم من دفعوها ثمنا لمنتجاتهم الفكرية والإبداعية في سبيل احقاق حق الهوية كاملة مستوفاة لشروط التمام، فلم يكن منهم النقصان أخذ بالجزء وترك للكل بل كان العناد منهم شاملا لكل فصول الحرب الفكرية على كل من تسول له نفسه المساس بالمبادئ الوطنية.

في كتابه الثورة الجزائرية في الشعر العراقي، بدى المفكر الراحل عثمان سعدي مثقفا نزيها من التكلف عميقا في الوصف مترنما بالاستشهاد بأبيات شعر لشعراء عرب أتقنوا صياغة الكلمات متتاليات في التعبير والوصف، بدى متفتحا على الغير غير آبه الى أين سيصل به التفكير العميق والرائع بروعة رزانة صاحبه، تكلم عن الأسطورة أو القصة التاريخية أنها ليست حكرا على الشعر الحر،بل أن كثيرا من الشعراء العموديين يستعملونها، وقد أشار الى ذلك بدر شاكر السياب في النص الذي أوردناه في أحد الفصول، مردفا أن محمد مهدي الجواهري –مثلا- في عينيه التي ضمتها الموسوعة يشير الى صليب المسيح كرمز الاستقامة الأخلاقية ،ويشبه فرنسا –عندما تحمل مبادئ ثورتها بيد، وتفتعل قتل الجزائريين بيد أخرى بالمومس التي تمارس الرذيلة على سرير معلق فوقه صليب المسيح:

لك الويل فاجرة علقت صليب المسيح على المخدوع
يعني أن المرحوم لديه استئناس لأفكاره بمواقف الغير لذلك يشيد بها ليدافع عن تاريخ جزائري صريح ومشرف ، يحاول الأعداء تحريفه بأي شكل من الأشكال ولا تزال فكرة التحريف قائمة في آخر مطالبة من فرنسا بإعادة كتابته والعالم الله كيف تريده فرنسا ..أكيد سيكون على نحو يمجد أفعالها الاجرامية ولا يجرمها..

ويذكر المرحوم سعدي في الصفحة 37 من كتابه أن الجيل الصاعد في عقدي الخمسينات والستينات في الوطن العربي موزعا بين العقيدة الشيوعية والتفكير المحافظ المتمثل بالتفكير الإسلامي، وينبغي التفرقة في هذا المجال بين مفهومين ( بين ما هو مسلم وبين ما هو إسلامي)، وكان تيار ثالث يعتبره وسطا بين هذين التيارين بدأ يظهر وهو التيار القومي الذي أكسب الشيوعية نظامها الاقتصادي والاجتماعي، ثم ألبسه ثوب القومية.

يبدو من هذه الفقرة أن المرحوم عثمان سعدي يغوص في عمق التاريخ وكيف نشأت التيارات وما مدى تأثيرها على التفكير الإسلامي، لكن من أي ناحية؟.

يقول المرحوم صاحب الكتاب أن كل منتم الى كل تيار من هذه التيارات المتعددة المتصارعة على الساحة العربية ، وجد في الثورة الجزائرية متنفسا لوجدانه وتعزيزا للفكرة التي يؤمن بها ،لأن الثورة الجزائرية ،وهذا شأن الأحداث الإنسانية الكبرى تتميز بطابع انساني شامل، يعتمد على نبذ كل ما هو مظلم في الحياة البشرية، والسعي وراء احياء و تثبيت كل القيم المشرقة في التراث الإنساني.

ومنه استدرج المفكر المرحوم عثمان سعدي في ذكر بعض الأمثلة عن شخصيات جزائرية في الشعر العراقي اذ يقول أن المناضلة جميلة بوحيرد احتلت حيزا كبيرا في الشعر العراقي الذي قيل في الثورة الجزائرية ، فأكثر من ثلاثين قصيدة –من قصائد هذه الموسوعة-حملت عنوان (جميلة) ،وحديث الشعراء عن جميلة كان تمجيدا لنضال المرأة الجزائرية ،فالنساء الجزائريات (صغن من قطع الحديد وهن يتزين لا بالجواهر وانما بالشجاعة ..ويضئن للرجال جوانب الطريق المؤدية للخلود…..).

وقصيدة (أنا فكرة) للدكتور جواد البدري، التي نظمها وأهداها لجميلة عام 1958 تعتبر من أجمل ما قيل في نضال جميلة …فقد جسد شاعر الثورة الجزائرية في جميلة المناضلة، واعتبر الثورة فكرة كامنة في العقول والنفوس وفي دموع الكادحين منذ أن ظهر الانسان على سطح الأرض:

اقتلوني
أنا فكرة
في العقول النيرة
في النفوس الخيرة
في دموع الكادحين
في قلوب الطيبين
عبر آلاف السنين
مستقرة
أنا فكرة

ان الثورة فكرة ، نور تضيء للشعوب طريق الانعتاق وبناء مصير عادل، وهي نار تحرق أعدائها وأعداء الانسان، وهي زهرة تنشر عطرها بين الشعب عبر النسيم لتروي الملايين من البشر وهي أمل الناس، ودفء أحلامهم.

يستشهد المفكر العبقري المرحوم عثمان سعدي شواهدا شعرية أخرى من أبيات للأستاذ عبد الكريم الدجيلي في كتابه ( محاضرات عن الشعر العراقي الحديث) القاهرة ،1989، ص 140:

الى أرواحكم نهدي السلاما فقد كانت لنهضتنا ضراما
دم الشهداء حيث يسيل رمز لنهضتنا سنجعله وسامـــا
دم الشهداء عنوان لمجــــد سنحي ذكره عاما فعامـا
دم الشهداء طغراء لصـــك نوقعه على أن لا نظامـا

كانت هذه تلميحات عن شخصية فذة قديرة بقراءة سيرتها النضالية في الدفاع عن الهوية واللغة والمرجعية الدينية السليمة بلا مناورات ولا مزايدات فالتوسيع كان في الوطن العربي يصل الآذان ويطرق القلوب باستشهادات من نماذج تاريخية والكتاب حافل بالتحليلات والقصص والشعر التي أسقطت شخصية عثمان سعدي في قالب راق جدا قد لا تتكرر هذه الشخصية مستقبلا لأنها فذة ومميزة منذ نعومة الأضافر الى غاية مكابدة ومقاومة خصوم اللغة والهوية ككل.
رحم الله المفكر القدير عثمان سعدي واسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان

انا لله وانا اليه راجعون
عاشت الجزائر حرة مستقلة
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار

جميع الحقوق محفوظة للاستاذة : سميرة بيطام

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: ماذا خسرت الجزائر بموت قاماتها؟

أخبار بلا حدود- وتسجل الجزائر مرة أخرى ضمن مقادير الله عزو وجل رحيل الهامة الكبيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!