تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية وتغير مواقف الفرنسيين

تدهور العلاقات الجزائرية الفرنسية وتغير مواقف الفرنسيين
 

أخبار بلا حدود- ما كان الجزائريون يطالبون به في التعامل مع المصالح الفرنسية في الجزائر، أصبح الفرنسيون يشتكون منه اليوم ويطالبون سلطات بلادهم بمراجعة علاقاتهم مع الجزائر بسببه، حيث اضحى مشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية مقلوبا بشكل لم يكن يتوقعه حتى أشد المتشائمين، وذلك انطلاقا من العلاقات التاريخية وتداعيات الحقبة الاستعمارية على الوضع الداخلي للجزائر.

المشهد الجديد بقلم الصحفي، نيكولا بافيري، في عمود بصحيفة “لوفيغارو” اليمينية الفرنسية، حيث كتب: “مقابل التصريحات أحادية الجانب من طرف باريس، الداعية إلى طي صفحة الاستعمار، يبرز تدهور كبير في العلاقات بين البلدين، الشركات الفرنسية تتعرض لتمييز ممنهج، والتعاون تراجع بشكل راكم تعدد المنازعات فيما يتعلق بعدم تسديد المستحقات، اللغة والثقافة الفرنسية في طريق الاجتثاث في الجزائر، طلبات الحصول على التراخيص القنصلية لطرد الجزائريين يتم رفضها بشكل نظامي”.

هذه عينة مما يكتب في الصحف الفرنسية المحسوبة على تيار اليمين واليمين المتطرف، ويتم تداوله في الصالونات والمجالس السياسية الباريسية عن الجزائر. إن الفرنسيين يقفون اليوم على إفلات الجزائر من قبضتهم وهم يتفرجون غير قادرين على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

كيف حصل هذا التحول الكبير والمثير في العلاقات الثنائية؟ سؤال لا يحتاج المتابع لكثير عناء من أجل تفكيك ألغازه.

لم تتمتع المصالح الفرنسية بالجزائر بالكثير من الأريحية كتلك التي عاشتها خلال العقدين الأخيرين، بسبب التوجهات البراغماتية والغريبة في الكثير من الأحيان، لنظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الذي لم يتجرأ يوما أن يقول لا، لأي طلب فرنسي، بما فيها السماح في سنة 2013 لطائرات سلاح الجو الفرنسي للتحليق في الأجواء الجزائرية، بداعي محاربة الإرهاب في جمهورية مالي ومنطقة الساحل، وهو الأمر الذي اعتبر سابقة في تاريخ الجزائر المستقلة.

ليس هذا فقط، فقد كانت الجزائر بالنسبة للشركات الفرنسية خلال العقدين الأخيرين بمثابة “صندوق مال” تغترف منه متى شاءت وكيفما أرادت، تحت غطاء شراكة استثنائية، أمّنت صفقات مربحة ولكن من دون عناء، وحالة شركتي “ألستوم” و”سويز” أبرز مثال على ذلك.

فالشركة الأولى (ألستوم) وضعت للتصفية على مكتب الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، عندما كان وزيرا للمالية في سنة 2004، غير أنه رفض تصفيتها وسافر إلى الجزائر للحصول على صفقات خاصة بها وكان له ما أراد، وتمثلت أبرزها في كهربة خطوط السكة الحديدية للعاصمة وضواحيها بالإضافة إلى صفقات أخرى، كانت كافية لإنقاذها من الإفلاس.

أما مؤسسة “سويز” التي دمرت اقتصاديات دولا بأمريكا اللاتينية وأصبحت سمعتها في الحضيض وأدرجت في قوائم سوداء في العديد من دول العالم، فقد تحصلت على صفقة العمر في الجزائر، بتسييرها قطاع المياه في كل من العاصمة وتيبازة، ولكنها لم ترد الجميل بل خانت الأمانة، عندما تركت الجزائريين من دون ماء في عز عيد الأضحى قبل أزيد من سنتين، لأسباب لها أبعاد خطيرة، وهو ما تسبب في قرار طردها، حالها حال مؤسسة “راتيبي”، التي كانت تسير خدمات ميترو العاصمة، التي تسببت في تعطيل خدمة الميترو لأشهر عديدة انتقاما من عدم تجديد عقدها.

الفرنسيون وعلى الرغم من الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها في الجزائر رغم ماضيهم الاستعماري الوسخ، إلا أنهم لم يكونوا في مستوى الصداقة التي أشيعت، لم يساهموا في نقل التكنولوجيا، ولم يستثمروا في القطاعات التي تساعد على النهوض بالاقتصاد الوطني، واكتفوا بإقامة فروع لمؤسساتهم التي تنشط في قطاع الخدمات (بنوك، تأمينات، تدقيق..)،

وبالمقابل نقلوا نشاطاتهم المربحة إلى بعض الدول المجاورة مثل قطاع السيارات، على سبيل المثال لا الحصر.

ومن الطبيعي أن تقود مثل هذه الممارسات المشينة إلى رد فعل في مستوى الانتهازية التي اعتمدتها باريس في ضبط إيقاع علاقاتها مع الجزائر، والتي لا تزال محكومة بممارسات موروثة من الحقبة الاستعمارية، التي كان ينظر فيها إلى الجزائر على أنها مصدر الثروات التي يجوز حرمان الشعب الجزائري منها وإغداقها على الشعب الفرنسي بشكل يفتقد إلى الأخلاق الانسانية.

المصدر: محمد مسلم مسؤول الملف السياسي بجريدة الشروق

شاهد أيضاً

فرنسا تضغط على المغرب لتعزيز مسار التطبيع مع إسرائيل

فرنسا تضغط على المغرب لتعزيز مسار التطبيع مع إسرائيل

أخبار بلا حدود- تبنت فرنسا منذ نشأتها المشروع الصهيوني، حيث أصبح ركيزة أساسية في السياسة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!