أخبار بلا حدود – وجه الوزير الأسبق للثقافة عز الدين ميهوبي رسالة إلى جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بشأن الظلم التحكيمي الذي تعرض له المنتخب الوطني الجزائري في المقابلة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر 2022 أمام منتخب الكاميرون.
نص الرسالة كاملا:
أستاذ إنفانتينو،
ما أعرفه عنك، هو ما سمعته منك، وما سمعته منك هو السعي إلى أن تكون ملاعب الكرة شفافة كمبنى زيوريخ، وأنا لا ألمّح إلى شيء إلاّ إلى ما تفهمه أنت المنضبط كساعة سويسرية، الشّاطر كأي إيطالي.
كمواطن جزائري يحترمك ويقدّر عاليا ما تقوم به للارتقاء باللعبة الأكثر شعبية في العالم، رأيت أن أكتب إليك، وأنت الذي تقترب من عهدة أخرى بعد مونديال الدّوحة وليس هناك من يزاحمك في مقعد كرّستَ فيه قواعد عملٍ جديدة، وحاولت محو ما علق بفيفا بلاتر من فساد وتلاعبات.. فمنحتَ لعبة كرة القدم نفَسًا تكنولوجيا جديدا ومثيرا بهدف إنصاف الأندية والمنتخبات عندما يخطئ الإنسان في قراره.. ورغم أن هناك من يعترض على ذلك كون الخطأ جزء من اللعبة.. لكن عندما يتحايل الإنسان على التكنولوجيا فالخطأ هنا خطيئة ووجب إنصاف المتلاعب به.
أسوق هذا الكلام، لك أستاذ أنفانتينو، وأنت رجل القانون الذي لا يجادل في كفاءته اثنان، كونك وضعت أسسا قانونية في الكالتشيو والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، ولا يخلو حديث لك من ضرورة تحسين مناخ كرة القدم وتنظيفه من المتلاعبين وإرساء قيم الأخلاق الرياضية، ولست هنا بصدد التذكير بما شهدته الفيفا من فساد 5 نجوم عابر للقارات.. نعم، أسوق هذا الكلام، وأدعوك لأن تتحمل مسؤولية إنصاف بلد يعدّ واحدا من أمم كرة القدم في العالم وأعني به الجزائر، التي لا شكّ في أنّك تذكر الظلم الكبير الذي وقعَ عليها حيث حرمت من المشاركة في تصفيات كأس العالم 1958 لأنها كانت مُستعمرة وهي التي ضمّت نجوما تُسيل لعاب أندية العالم آنذاك، وظُلمت في مونديال 1982 بعد التآمر الرخيص بين ألمانيا الاتحادية والنمسا، وهو ما أقرّت به الفيفا، فغيرت بعض قوانينها؛ ولا نرغب في أن تُظلم الجزائر مرة أخرى فتعترف الفيفا بالخطأ وتكتفي بتغيير بندٍ دون إنصاف، فتكرّس الظلم كقاعدة دون تصحيحٍ للخطأ مهما كانت طبيعته.
لقد ظُلمت الجزائر بشكل سافر، بفعل رعونة حكم جعلت منه هيئات كروية لسنوات، مدلل الصافرة الإفريقية وهو لا يرتقي إلى قامات في التحكيم الإفريقي مثل حنصال، الجويني، تيسيما، سيني، بلقولة ،مايي الغندور وحيمودي.. وقاساما ليس استثناء، حتى وإن كانت لديه بعض الميزات. إلاّ أنه حكم عادي جدا يحظى باستلطاف من جهات في هيئات ما لأسباب أو دوافع نجهلها!
أستاذ إنفانتينو،
إن منتخب الجزائر الذي استمرّ قرابة أربعين مباراة دون هزيمة مع مدرب شاب مؤمن بروحه الإفريقية، وقدم للكرة العالمية لاعبين صنعوا ويصنعون بهجة الملاعب، يتمّ التخلّص منه، أي منتخب الجزائر، بقرارات مجحفة، بسبب حكم، على أبواب تعليق صافرته، يتجاهل العناصر المساعدة في اتخاذ قرارت منصفة له ولمنافسه، حتّى أنّ من لا صلة له بكرة القدم، رأى كيف يُصنع الظلم في الملاعب. عجيب ما قام به قاساما، هدفٌ مسبوق بخطأ فاضح يعتبره سليما، وهدف سليم من كل عيب يرفضه أمام مرأى العالم، وعشرات القرارات التي لم يكلف نفسه عناء العودة لجهاز (الفار) لأنه يكشف عيوب قراراته الخاطئة، فما جدوى هذا الجهاز التقني وفريق التحكيم الألماني إذا كان قاساما يملك ثمانية عيون؟..
لا نشكّ في أنّ للحكم بكاري قاساما ميزات في التحكيم، مثلما لم يشك الناس في أن بلاتر قدم الكثير لكرة القدم.. ولكن عندما يصل الانسان سقف العمر ويبلغ نهاية المشوار يكون السقوط مدويّا.. وقاساما على أبواب التقاعد الكروي (!) لأنه نجح في أن يتخذ قرارات دمّرت جهد منتخب مجتهد قضى أربع سنوات من العمل لبلوغ المونديال، وهو حقّه، في دقائق معدودة دون وازع ضمير.. وربّما بحسابات، فلو شاءت هيئة الفيفا أن تكشف عن المستور كما كشفت عن فساد بلاتر وحياتو وبلاتيني ووارنر.. وعشرات القيادات في عالم الكرة، وفي فضح تلاعبات كثير من الحكام فإنها تملك القدرة على ذلك.. قاساما ليس منزّها ولا يحظى بحصانة، فليفتح تحقيق تشارك فيه الهيئات المختصة، منها الأنتربول.. لأن رائحة الفساد، وقد أشارت إلى ذلك منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد (أومساك)، وبرز ذلك من ردود فعل اتحادات الكاميرون وغامبيا وبعض الدوائر المرتبطة بهما خوفا من انكشاف شيء ما.. وهو بمثابة استباق عمل جديّ للجان الفيفا..
الجزائريون لا يريدون أكثر من إنصافهم، بكل شفافية، بعيدا عن الحجة الجاهزة، أن الأمر انتهى ويُعلّق كلّ شيء على مشجب تم رصدُ أخطاء لا ترقى إلى إعادة المباراة، أو الاكتفاء بمعاقبة الحكم. الجزائريون لا يعنيهم ماذا تفعلون بقاساما، ولكنهم يريدون استعادة حقّ تمّ سلبه عن قصد ومع سبق الإصرار والصور شاهدة. إن الفيفا أمام امتحان النزاهة والعدل والشفافية.. وهي المفردات التي كثيرا ما ترددت على لسانك أستاذ جياني أنفانتينو.. لا نريد مجاملتنا في شيء، ولا حتى بكلمات استرضاء أو بتعويض ما كما حدث في 1982. الجزائريون يطالبون بإنصافهم، ولو بالحدّ الأدنى، متمثلا في إعادة المباراة في المريخ أو في زيوريخ، ولتكن شاهدا، فتتجاوز بذلك ردك الصادم في الدوحة حين قلت “لا علم لي بطعن الجزائر..”.
وللطعن في لغة العرب معنى مؤلم، وليس كما يفهم أنه مجرد مصطلح قانوني! وهل عندما يثور المدرب الجزائري جمال بلماضي على التحكيم الإفريقي، وفي وجه من ظلمه، يعني إساءة للكاف أو للكرة الإفريقية، لا، بل لأنه لا يريد لهذا القارة التي قدمت للعالم لاعبين موهوبين لا يتكررون في ملاعب العالم، أن تجهض أحلامهم بقرارات حكام لا يقدّرون ذلك، والدليل أن حالات فساد كثيرة سجلت في المستوى العالي من المنافسات، كما حدث بين السينغال وجنوب إفريقيا 2018، وكذا بين البحرين وأزبكستان.. فلا يجب أن تكون مباراة الجزائر والكاميرون استثناءً..
أستاذ إنفانتينو،
لقد عودتنا على الاحترافية في اتخاذ القرارات، فلتوعز للجان المختصة (التقنية والاخلاقية) بأن تكون على تلك الدرجة من الاحتراف والنزاهة والحيادية، وتمنع الأيدي الخفية من التلاعب بملف لا يحتاج إلى إثبات، لأن فضيحة التحكيم واضحة للعيان ولا تحتاج إلى أدلة.. إذ عندما تصدر اتحادات الكاميرون وغامبيا بيانات في الأمر للتشويش على القرار المنتظر، ومحاولة تحويل النقاش من قرارات قاساما المفضوحة إلى محاكمة المدرب بلماضي والمطالبة بمعاقبته، هذا يعني أنّ في الأمر إنّ ولكنّ.. وهذا تنطبق عليه الحكمة العربية “كاد المريب أن يقول خذوني..” فهم يعرفون أن قاساما.. قسم ظهر البعير!
أستاذ أنفانتينو،
إنّ الجزائر لا تستجدي أحدًا في الدفاع عن حقها، لأن لها باعًا طويلا في ذلك وسويسرا شاهدة على ذلك، وبالتالي فإنها لن تتأخر في الدفاع عن حقها المهضوم، وعلى هيئة الفيفا أن تقرأ جيدا الوقفةالاحتجاجبة لجزائريين أمام مقرها.. إذ ما كان هذا ليحدث لولا الشعور بالظلم الممنهج!
أستاذ جياني،
قد يبدو القرار صعبا وقاسيا على هيئتكم، لكن القانون جامد كصخرة لا يعرف عاطفة، و(الفار) مجموعة أسلاك لا يكذب.. والعدالة مغمضة العينين لا تنحاز إلاّ إلى الحق، والكرة كما تعلم هي أكثر من لعبة بل هي مظهر سيادي وتعبير عن هويّة، فكن دقيقا مثل (الفار) وحياديا مثلَ سويسرا.. وعادلا مثل إنفانتينو!.