أخبار بلا حدود- يبدو أن التهديدات التي أطلقها كبار المسؤولين في حكومة ماكرون مؤخرا ضد الجزائر والمتعلقة بإلغاء اتفاقيات الهجرة المبرمة بين البلدين سنة 1968 لم تكن مجرد تصريحات عابرة، بل وصلت لدرجة التنفيذ وطالت شخصيات دبلوماسية جزائرية (2) وزوجة سفير الجزائر في مالي.
حيث أعطى وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، تعليمات لمصالح شرطة الحدود بطرد زوجة سفير الجزائر بمالي، إذ تم منعها من دخول التراب الفرنسي بحجة أنها لا تملك القدر الكافي من المال لتسديد مصاريف إقامتها.
ولم تكن هذه الحالة الوحيدة التي قوبلت بالطرد، تنفيذا للقرارات التي أصدرها رئيس وزراء فرنسا ووزير خارجيتها أواخر فيفري الفارط والتي تتعلق بفرض “إجراءات” تقييدية على حركة ودخول الأراضي الفرنسية تطال بعض الشخصيات الجزائرية”، بلتعدت لتشمل شخصيات دبلوماسية أخرى.
حيث تم منع المدير السابق للديوان الرئاسي الجزائري، عبد العزيز خلاف وشخصية أخرى رفيعة المستوى من الدخول للأراضي الفرنسية.
وفي أول تعليق له على هذه الإجراءات الخطيرة اتجاه المسؤولين الجزائريين، كشف برونو خلال مقابله مع صحيفة لوفيغارو في مارس، شروع بلاده في تنفيذ قرارات رئيس الوزراء، والتي تشمل منع الجزائريين الحاملين لجواز سفر دبلوماسي من الدخول إلى الاراضي الفرنسية.
وأكد الأخير أن سلطات بلده طردت بالفعل جزائريين لدى وصولهم إلى مطار رواسي بضواحي العاصمة الفرنسية في سياق تفعيل هذه القرارات .
وأردف “هذا الرد التدريجي هو الأكثر فعالية، لأنه يسمح أولاً باتخاذ تدابير فردية، لا سيما ضد أعضاء من النخبة الجزائرية.”
وذات السياق وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية “لقد أدلى رئيس الجمهورية الفرنسية من البرتغال بتصريحات تهدئة من شأنها التخفيف من حدة هذه الأزمة في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، التي لم يسبق لها أن بلغت هذا المستوى من التدهور.
لكن للأسف، وبعد ساعات قليلة فقط من تصريحات الرئيس الفرنسي، أعطى وزير داخليته الحاقد تعليمات لمصالح شرطة الحدود بطرد زوجة سفير الجزائر بمالي، إذ تم منعها من دخول التراب الفرنسي بحجة أنها لا تملك المال” وهذا استفزاز جديد للجزائر.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أطلق تصريحات خلال زيارته للبرتغال في 28 الشهر الفارط، أشار من خلالها بأن اتفاقيات الهجرة بين البلدين “لا يجب أن تلغى ولكن يفضل مراجعتها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون”.
ومع ذلك فقد وضع ماكرون شرطا أساسيا للتفاوض مع الحكومة الجزائرية حول هذه المسألة، والمتمثل في إطلاق سراح الكاتب الفرانكو – جزائري بوعلام صنصال الذي اوقفته السلطات الجزائرية نوفمبر الفارط لتورطه في المساس بسلامة التراب الوطني .
ولم يكتفي وزير الداخلية الفرنسي بهذا القدر من الإستفزازات اتجاه الجزائر، بل تعدى إلى إطلاق سلسلة من التهديدات خلال مقابلة له مع قناة “بي. آف تي في” و”آر. أم. سي”، 4 مارس من هذا الشهر، قال فيها أن بلاده أعدت قائمة تضم أسماء “منات” من الرعايا الجزائريين ذوي “الملفات الخطيرة” ترغب باريس في إعادتهم إلى بلادهم، وأضاف بأن حكومته ستقوم بتسليمها لنظيرتها الجزائرية.
كما هدد بفرض عقوبات صارمة على شركة الطيران الجزائرية “الخطوط الجوية الجزائرية” متهما إياها في التقاعس في ترحيل المهاجرين الغير شرعيين .
وتجدر الإشارة أنه عقب الإجتماع الوزاري الخاص بملف الهجرة، والذي انعقد 26 من فيفري الفارط، أعطى رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو الجزائر مهلة بين 4 و 6 أسابيع لإظهار ليونة في قضية استقبال مهاجريها غير الشرعيين وإلا سيتم إلغاء اتفاقيات 1968 المنظمة للهجرة بين البلدين .
بينما ردت الجزائر عبر بيان وزارة الخارجية مفاده أن الجزائر ترفض رفضا قاطعاً معاملتها بالشروط والمُهل، في ندية واضحة إتجاه فرنسا.
ومباشرة عقب تصريحات وزير الداخلية الفرنسية، واستنادا إلى ما أوردته “لوفيغارو ” الاثنين الفارط، فإن الرئيس الفرنسي أكد في تواصل حصري معها، أن إلغاء اتفاقيات الهجرة مع الجزائر قرار يعد إصداره من صلاحيات رئيس البلاد فقط .
وقد أثارت تصريحات ماكرون انتقادات واسعة من جانب التجمع الوطني، الذي اتهم ماكرون بالفشل في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد نفوذ وصلابة الجزائر، مما أثار الشكوك لدى العديد من نواب البرلمان حول قدرته على قيادة البلاد كما انتقد المتحدث باسم التجمع الوطني، سيباستيان شينو، نهج ماكرون الحذر، مؤكدا أنه من العار أن يخشى الرئيس رد فعل عنيف محتمل من الجالية الجزائرية في فرنسا.
ودارت نقاشات حادة داخل البرلمان الفرنسي حول إيجاد أفضل السبل لتعزيز موقف فرنسا بشأن سياسة الهجرة، وخاصة بعد فشل الجهود لطرد مايسمى زورا بالتهديدات المتعلقة بالمهاجرين الجزائريين غير الشرعيين .
كما شككت أحزاب أخرى قدرته على إدارة سياسات الهجرة بشكل فعال، خاصة وأن الفشل في طرد الجزائريين المسبوقين قضائيا أدى إلى حادثة مولوز.
من ناحية أخرى، أعرب السيناتور ماكس بريسون عن إحباطه إزاء عجز الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ تدابير حازمة تجاه الجزائر.
ويرى بعض الخبراء بأن تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة لا تهدف الى تهدئة الأوضاع بين البلدين كما تروج له بعض وسائل الإعلام الفرنسية، وإنما يسعى من خلالها لإظهار قدرته على التحكم في قرارات بلاده، خاصة بعد الانتقادات التي وجهت اليه في الأشهر القليلة الماضية والتي وصفته بالفاشل في تسيير أمور البلاد وخاصة قضية الهجرة.
وأضاف نفس الخبراء، أن ماكرون يريد فرض شروطه على الحكومة الجزائرية من خلال إجبارهم على إسقاط التهم عن بوعلام صنصال وهذا يمس بشكل كبير بسيادة الجزائر و كرامتها على الساحة الدولية.
وتأتي هذه التداعيات في سياق متواصل من أزمة سياسية ودبلوماسية حادة بين البلدين، بدأت في جانفي 2023، بسبب رفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة باريس، وتفاقمت في جويلية 2024 بعد إعلان باريس دعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء.
ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس وخفض التمثيل الدبلوماسي، وتعقدت أكثر بعد توقيف السلطات الجزائرية في نوفمبر الماضي الكاتب الجزائري بوعلام ،صنصال ورفض الجزائر استقبال رعاياها المبعدين من التراب الفرنسي، بينهم منفذ هجوم أسفر عن مقتل شخص في 22 فيفري في مدينة مولوز في شرق فرنسا.