أخبار بلا حدود- في سلسلة تطبيقات برنامج اصلاح التعليم الديني للدكتور عبد اللطيف الهميم، يذكر أن الانسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها ، ونشأ على ترابها ،وعاش متنعما بخيراتها ، لأن لهذه البيئة عليه ( بما فيها الكائنات وما فيها من المكونات) حقوقا وواجبات كثيرة تتمثل في حقوق الأخوة ،وحقوق الجوار، وحقوق القرابة ، وغيرها من الحقوق الأخرى التي على الانسان في أي زمان ومكان أن يراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب وفاء وحبا منه لوطنه.
هي فقرة بمثابة مقدمة لمقالي أرى فيها الكثير من معاني التواصي بالخير بالواجبات من منطلق أن حسن الجوار مع الغير مهما كانت درجة القرابة ومهما كانت صفة التواصل فيما بين الناس ،فالمبدأ هو حب الوطن وما كان في سبيل الوطن أكيد سيسعه وجدان وعقل وروح المخلصين الصادقين في نواياهم تجاهه كترجمة أخلاقية لطبيعة التصرف مع الغير.
وللتوضيح أكثر ، ومن جهة المفكر الراحل مالك بن نبي ومن خلال ما كتبه كل من الباحث ابرير الطاهر وبنادي محمد الطاهر في مقال لهما معنون بـ:
الحضارة في فكر مالك بن نبي ، نُشر في مجلة الفكر المتوسطي عدد 02 المجلد 09 لسنة 2020، ذكرا أن الأشكال المختلفة من المساعدة التي يقدمها المجتمع للفرد الذي ينتمي اليه انما تُعتبر صورة عن الحضارة، ويعقد لنا مالك بن نبي مجموعة من الأمثلة كالمدرسة والمستشفى وشبكة المواصلات والأمن عبر الطرقات وغيرها ، هذه الأشكال المادية منها والمعنوية انما تعبر عن الحضارة في تظافرها وذلك حسب تصور الأستاذ مالك بن نبي ، اذ أن كل منها تقوم بوظيفة ما في المجتمع(انتهى اقتباس الفقرة من المقال).
كما يوضح الباحثان معنى الحضارة أكثر وفق فكر مالك بن نبي بأنها في الواقع هي جملة من العوامل المادية والمعنوية التي تتيح لمجتمع ما أن يُوفر لكل فرد من أعضائه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدمه (بن نبي/ مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي، 2000، ص32)، أي أن الحضارة توفر المناخ الذي يضمن للفرد الحرية والحماية ويقدم له كل ما يحفظ وجوده ، فهي ببسيط تصنع المجتمع وتوفر له ما يضمن بقاء أفراده وتطورهم .
وبالمزج بين ما ذكر آنفا من تحليل للدكتور الهميم وما ذكره الباحثان ، يمكن استخلاص معنى الحضارة بمفهوم اسقاطات السلوكات الإنسانية في بيئة مهيأة بالوعي المدرك لحجم التحديات، ضف اليها مجموعة العوامل المادية والمعنوية التي تقوي لدى الانسان عزيمة صنع القرار في الوقت المناسب من أجل صنع الحضارة اللازمة لنهضة أي مجتمع.
ومنه نستدرج في شرحنا المبسط كيفية تحضر الأمم بإضافة عامل الأخلاق كلبنة رئيسية لمن يريد التحرر من سلوكات الرداءة والانتاج العقيم لمناهج ليست ب تقويمية في سبيل تصحيح مسار بعض منتجي سلسلة النهضة الصحيحة.
اذ ليس كل من يعتمد برنامج نهضوي هو بالتأكيد يوافق ما يتطلبه الواقع العالمي اليوم من أدوات لصناعة مستقبل أمة قوية تسعى جاهدة لأن تحافظ على مكتسباتها من الضياع أو السرقة وهنا يأتي الحديث عن لصوص الحضارة والذين هم في مجملهم عبارة عن دول أو جماعات أو أشخاص هدفهم الوحيد والأساسي من بين مجموع الأهداف هو افساد خطة التنمية وبعثرة الأفكار والطـــرق والبرامج حتى لا يصل فاعلوها الى الأهداف المرجوة وهذا بدافع غريزي مرضي سيء يكشف النوايــا المبطنة لأعداء النجاح أينما كانوا وحيث ما كانت خلفية من تقودهم وتوجههم.
وعليه، وبالعودة الى السرد التاريخي لأهم محطات محاولة البناء لهيكلة دول قوية نجد أن لصوص النهضة متواجدون منذ القدم لأنه ولدوا أو نشأوا مع نشأة الفكر الإصلاحي والخيري الذي يتضمن برنامجه البنائي أفكار تقويمية للعلاقات المجتمعية من أجل تصحيح السلوكات السلبية وإعادة توجيه الرؤى من منطلقها الصحيح، بمعنى إعادة رسكلة خطة النهضة من ديباجتها مرورا بمقدمتها وتوسطا لخطط صناعة مجتمع او دولة قوية لأنها عملت واجتهدت وتبنت سياسات دقيقة لصناعة نهضة تخصها لوحدها بغلاف الهوية والدين والأخلاق كما تراها وتقتنع بها أي أمة.
كما يمكن القول أن الانتكاسات التي مر بها العالم العربي والإسلامي انما هي راجعة لتدخل لصوص النهضة أو الحضارة لإفساد رزنامة العمل ومنعها من التمام تحت دواع وهمية لا تمت بصلة لحقيقة متطلبات الدفاع عن الأفكار المتبناة لديهم والتي تعمل ضد الرسكلة الحقيقية لصناعة الحضارة لأنها موجهة توجه تغريبي لا يمت بصلة لا للأخلاق ولا للقوامة الإنسانية ولا للدوافع الاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية التي تشكل في مجملها كيان أي مسمى لأمة متحضرة.
وبالإضافة أن سنة التدافع التي تبقى قائمة مادام النزاع موجود بين الخير والشر ،بين الاستقامة والانحراف، بين الجد والكسل، بين الإصلاح والهدم، فكل هذه المفارقات اللفظية هي في حقيقتها واقع ، اذ يظهر في الواجهة فريقين ضمن سياق الصراع القائم والمستمر ، ولا يجب الخوض في تفاصيل آليات هذا الصراع لأنها تختلف من فكر لآخر ومن قناعة لأخرى، ومن غاية لأخرى .
ونستجمع بالقول أن لصوص الحضارة هم من يعرقلون عملية النهضة والتغيير والتحضر ،وما يجسد هذا الكلام هو ثورات الربيع العربي كأبسط مثال وما خلفته من تراجع رهيب للدول الحاضنة لهذه الثورات وكيف أنها دفعت الثمن غاليا، أرواحا وأموالا وبنى تحتية وقواعد هيكيلة من أجل استمرار أمن وسلام الدول العربية خاصة، اذ يأتي مصطلح الثورة والثورة المضادة لجلب المزيد من التشاحن والتنافس الغير مشروع من أجل فرض حكومات وبرامج عمل تلبي حاجيات دول لها مطامع وهي من تدير المشهد من وراء البحار أو خلف الحدود البرية .
وهذه الأطماع هي من خلقت الاستعمار والاستدمار والاستيطان والتغول و التسرطن الى غيره من مصطلحات الاحتلال التي تمثلت في نقاط التوسع والانتشار، ولها كتب عديدة اجتهد في كتابتها مؤلفون ومفكرون ومحللون بما يرونه يتماشى مع أطروحات العصر الذي واكبوه بكل ايجابياته وسلبياته ، ونحسب الجزائر دولة متينة ومحصنة ولا نزكيها من أجل المدح ولكن لتجاوزها موجة الربيع العربي كمثال ناجح يعطي تأشيرة المرور الى ضفة التحضر بالتدرج وبكل ثقة مهما ارتفعت تكلفة التحضر، والتي تستنزف الوقت والجهد والفكر والخطة والآلية ، وتبقى طبيعة مسار صناعة الحضارة هي بمثابة حلم كل أمة وكل مجتمع وكل برنامج نهضوي .
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.