على الرغم من تأكيد الجزائر أكثر من مرة على أن خيار الوساطة مع المغرب غير مطروح لإعادة تطبيع العلاقات الثنائية، تصر بعض الأطراف على إعادة طرح هذا المقترح في كل مرة، بشكل يدعو إلى التساؤل حول خلفية هذا الإصرار ومن يقف وراءه، وهل للجارة الغربية علاقة بذلك؟.
وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس وفي حوار خص به صحيفة “دياريو دي سيفيا”، قال إن بلاده تعتزم المبادرة مجددا بالعمل من أجل تبديد الغيوم التي تلبد سماء العلاقات الجزائرية المغربية، وذلك في قمة الاتحاد من أجل المتوسط، التي تحتضنها مدينة برشلونة الإسبانية، يومي 28 و29 نوفمبر الجاري.
ووفق ما نقل عن رئيس الدبلوماسية الإسبانية فإن “المغرب والجزائر بلدان شريكان أساسيان لإسبانيا وللاتحاد الأوروبي ومعهما نبني العلاقة في البحر الأبيض المتوسط. وخلال يومي 28 و29 نوفمبر الجاري ستحتضن برشلونة اجتماعا لاتحاد المتوسط، حيث سنبحث هذه القضايا. نحن في اسبانيا سنعمل دائما من أجل الانفراج ومن أجل حسن الجوار ومن أجل التعاون لبناء البحر الأبيض المتوسط. الحوار أساسي في هذا الشأن”.
والاتحاد من أجل المتوسط، هو تجمع للدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، أنشأه الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، غير أن الجزائر لم تكن من المتحمسين للعمل ضمن هذا الفضاء، لأنها تعتقد أن ساركوزي أنشأ هذا الاتحاد في عام 2008، من أجل فك الحصار المضروب على دولة الكيان الصهيوني من قبل الدول العربية، في حين أن موقف الجزائر في هذه المسألة لا يحتاج إلى تعليق.
وكان أكثر من مسؤول إسباني وعلى رأسهم نائبة رئيس الحكومة، تيريزا ريفيرا، ووزير الخارجية كانوا قد زاروا الجزائر، وحاولوا تليين الموقف الجزائري بشأن تطبيع العلاقات بين الجزائر والرباط، ولو اقتصر الأمر على تمديد العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي فقط، غير أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، بسبب الرفض الجزائري المطبق لذلك.
غير أن تسليط الضوء على الاتحاد من أجل المتوسط، يجيب على الكثير من الأسئلة المثارة حول الإصرار المستمر من قبل الأطراف الداعمة لتطبيع العلاقات الجزائرية المغربية، فهذه الهيئة التي لم تستهو الجزائر منذ البداية، أما المغرب فكانت من أشد المطبلين لها بحكم علاقاتها المتشعبة بدولة الكيان الصهيوني، وتجلى ذلك من خلال تولي اثنين من المغاربة منصب الأمانة العامة لهذا الاتحاد.
كما تولى مغربي آخر منصب أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط، وهو فاتح السجلماسي لأكثر من عهدة، ما يؤشر على حجم النفوذ الذي يتمتع به نظام المخزن في مبادرة ساركوزي هذه، ما يرجح فرضية مفادها أن المغرب هي من تحاول إعادة بعث الوساطة، تحت أي منصة كانت، مع الجزائر، ما يقود إلى فرضية أخرى هي أن نظام المخزن يكون قد تضرر كثيرا من العقوبات الجزائرية التي سلطت عليه بعد قطع العلاقات الثنائية، والتي انجر عنها منع الطيران المغربي المدني منه والعسكري من التحليق فوق الأجواء الجزائرية، وأخيرا وليس آخر، وقف إمداد الجارة الغربية بالغاز بعد قرار عدم تجديد عقد أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي.
ويتوقع أن يكون مصير الوساطة التي تحدث عنها رئيس الدبلوماسية الإسبانية تحت قبة الاتحاد من أجل المتوسط، كغيره من محاولات الوساطات السابقة الفاشلة، على غرار تلك التي بادرت بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل جمهورية موريتانيا الإسلامية، وهي الوساطات التي تشير كل القراءات إلى أنها كانت بطلب من الرباط، التي يتظاهر مسؤولوها في الاعلام بأنهم غير مبالين بقطع العلاقات وتداعياتها على الاقتصاد المغربي.
وتأتي الوساطة التي تحدث عنها الوزير الاسباني في قت تحضر فيه الرباط لاستقبال وزير دفاع الكيان الصهيوني، بيني غانتس، لتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري وأمني، وهي تعلم ان هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من تأزيم العلاقات الثنائية، لاسيما وأن الجزائر باتت على قناعة بأن نظام المخزن تحول الى مجرد أداة بيد تل أبيب التي تعمل من اجل ايصال الخلاف الجزائري المغربي الى نقطة اللارجوع.