أخبار بلا حدود- ألقى وزير الخارجية أحمد عطاف اليوم الخميس، كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على خلفية الأحداث الراهنة في فلسطين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
و في هذا المقال ننشر لكم الكلمة الكاملة لوزير الخارجية أحمد عطاف:
- بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبيه الأمين
السيد الرئيس.. لكم من الوفد الجزائري كل الشكر وكل الامتنان وكل العرفان على استجابتكم للطلب المشترك الذي تقدمت به مجموعتانا العربية والإسلامية، بتنظيم هذه الدورة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة بعد فشل مجلس الأمن في الارتقاء بذاته فعلياً إلى مصف حامي ميثاق الأمم المتحدة، وخادم ترسيخ مبادئها وقيمها، وضامن استتباب السلم والأمن الدوليين.
مرةً أخرى، نجد أنفسنا أمام هذه الهيئة الأممية الجامعة لتدارك عجز مجلس الأمن عن توفير الحماية الضرورية للشعب الفلسطيني وعن التكفل بالمآسي تلو المآسي التي تتهاطل على غزة الجريحة، غزة المظلومة، غزة المكلومة.
ومرةً أخرى، نستنجد بالجمعية العامة أمام الشلل الذي أصاب مجلس الأمن في الاضطلاع بمسؤولياته وواجباته تجاه القضية الفلسطينية، جراء فقدان قدرته على التحرك لردع المحتل الإسرائيلي وكفِّ طغيانه وتجبره وتسلطه على الأبرياء في فلسطين، وفي غزة تحديداً.
ومرةً أخرى، نلوذ بالجمعية العامة لإنصاف الشعب الفلسطيني وتشديد النطق بعدالة قضيته والدعوة لاحترام شرعية تطلعاته في إقامة دولة وطنية سيدة. هذا الشعب الذي سلبت منه حقوقه، ولكن لم تسلب منه إرادته في الصمود، هذا الشعب الذي صودرت أراضيه ودمرت ممتلكاته، ولكن لم يصادر إصراره على فرض وجوده، هذا الشعب الذي هضمت مطالبه، ولكن لم يهضم عزمه على البقاء والاستماتة في الدفاع عنها.
وفي سبيل كل هذا، دفع الشعب الفلسطيني ولا يزال ثمناً باهضاً لا يرضى بدفعه إلا أهل قضية أصيلة، وأصحاب حق متأصل، وحماة مشروع وطني ثابت ومثبت.
لقد صار موقف التخاذل هذا داخل مجلس الأمن مألوفاً من تكراره عشرات المرات خلال العقود السبع الماضية، في صورة حَلَقَةٍ مفرغة تأبى الانكسار بالرغم من تجلي مفرزاتها وتداعياتها وأضرارها المتتابعة والمتواصلة. واليومَ كما الأمس، نرى بأم أعيننا:
أن ذات الأسباب تُولِد ذات النتائج وأفظعَها،وأن إطلاق العنان للمحتل الإسرائيلي وتحصينه يُنتج أقسى الجرائم وأبشعها، وأن غياب حل عادل ونهائي للقضية الفلسطينية يَبْقَى يَرْهَنُ حاضرَ ومستقبلَ السلم والأمن والإستقرار في هذه الرقعة من المعمورة وفي المنطقة برمتها.
لقد ضاق الشعب الفلسطيني ذِرعاً بسياسة الكيل بمكيالين، وبالتفهم غير المبرر وغير المؤسس وبالتسامح المفرط والمطلق الذي ينتفع منه الاحتلال الإسرائيلي أيما انتفاع. والأمر من كل هذا وذاك، أن الشعب الفلسطيني يتضرر أيما تضرر من حالة اللامبالاة الدولية أمام ما يعانيه من اضطهاد وظلم وطغيان.
كيف لا، وهو الذي يُقالُ له حين اِسْتِكَانَةِ الأوضاع وهدوئها أن قضيته ليست أولويةَ المجموعة الدولية، وحين الاعتداء عليه وتصعُّد الأحوال وتأججها، تتوجه المساعي، على شُحِّها وتواضعها، صوب معالجة رواسب غياب السلام عوض العمل لإحلال السلام بعينه.
جيلٌ كاملٌ من الفلسطينيين لم يعرف معنى مسار السلام! جيلٌ كاملٌ من الفلسطينيين لم يشهد مبادرةً جديةً واحدة لإحياء هذا المسار! وجيلٌ كاملٌ منهم لم يسجل تحركاً دولياً واحداً للتكفل بأوضاعه والاستجابة لتطلعاته المشروعة في استرجاع حريته وإنهاء احتلال أراضيه، والتمتع بحقوقه، وإقامة دولته المستقلة.
ألم يَحِنْ أوانُ معالجة هذا الوضع المخل بقيم ومبادئ منظمتنا؟
ألم يَحِنْ أوانُ إنهاء هذا الظلم التاريخي بحق شعب نفذ صبره في مواجهة محتل متسلط متكبر متجبر؟
ألم يَحِنْ أوانُ إطلاق هَبَّةٍ دولية من أجل السلام وفي خدمة السلام، هبة تُذكي شُعلة الأمل في الشعب الفلسطيني من جديد، وتتكفل بكل صدق وجدّية وأمانة بإحقاق حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف أو التقادم أو التصفية؟
إن التعامل مع التطورات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يفرضه من ضرورة العمل المستعجل والطارئ لوقف العدوان الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة، ولإغاثة الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية له، يجب أن يفضي إلى تحرك جماعي تنخرط فيه جميع الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة لبناء سلام دائم عادل ومستدام في الشرق الأوسط على أسس المراجع التي أقرتها الشرعية الدولية.
وبدورها، فإن جمعيتنا العامة، التي طالما شكَّلت منبراً رئيسياً لنصرة القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مطالبةٌ في هذا الظرف العصيب بتأكيد ثباتها على هذا النهج القويم والتزامها بالحفاظ على المقومات القانونية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة.
ومن هذا المنظور، تجدد الجزائر دعوتها لمنح العضوية الكاملة لدولة فلسطين الشقيقة بمنظمة الأمم المتحدة، كإجراء هام يُكرس الحق القانوني والسياسي والمعنوي والأخلاقي لدولة فلسطين في أن تحظى بمكانة قارة بين الأمم لإسماع صوتها والدفاع عن أولوياتها، وكخطوة حاسمة تردُ على محاولات تشويه وتصفية القضية الفلسطينية التي يُرادُ وأدها حيةً تأبى الفناء.
إن هدفاً بمثل هذه الأهمية الاستراتيجية يقتضي استغلال كافة السبل والفرص التي تتيحها أطرُ وتنظيماتُ الجمعية العامة، والتي من شأنها تمكين هذه الأخيرة من الاضطلاع بدور بارز وفاصل ومفصلي لبلوغ هذا المقصد النبيل، وهو المقصد الذي يمكن أن تتجسد فيه حقاً بوادر وركائز المشروع الوطني الفلسطيني.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.