تحدث الوزير والدبلوماسي السابق، عبد العزيز رحابي، على المبادرة السياسية التي جاءت في برقية لوكالة الأنباء الجزائرية عن رغبة الرئيس تبون في اقتراح عمل سياسي يحمل روحاً من التجمع الوطني للاستجابة للمطلب الداخلي وللمتطلبات الجديدة للسّياق الدوليّ.
وقال رحابي في مقال له نشر عبر صفحته الرمسية في موقع فيسبوك: “لقد أظهر المجتمع بمكوناته المدنية والسياسية دائماً قدرته على التنازل واستعداده لمواكبة كل جهد يرمي للخروج من الوضع الراهن؛ لكن السلطة السياسية لطالما حبست نفسها في منطق توازن القوى. وهو ما قاد إلى إضعاف الدولة وكاد أن يتسبب في الانهيار الذي يخشاه الوطنيون، والذي يتوقعه المغامرون داخل السلطة وخارجهاـ والذي ترغب فيه الجهات المعادية للجزائر. هذه المخاطرة ليست مستبعدة تماماً وهي كفيلة بحد ذاتها لإقرار أيّة مبادرة للحوار والتشاور بين السلطة التنفيذية والقوى السياسية والاجتماعية – مهما كان منبعها.”
وأكد رحابي أن الأمر الذي يطرح نفسه بإلحاح مرتبط بكيفية وضع تدابير لبناء الثقة من شأنها أن تجعل الرغبة في الوحدة ممكنة وملموسة، مثلما عُبّر عنها في الخطاب السياسي؛ وكيفية تجسيدها بشكل محسوس في الحياة السياسية اليومية. لا سيما أن العرض غير المباشر لرئيس الدولة سيحظى بقابلية أكبر للاستماع والفهم بعد شرحه وتفصيل محتواه.
وأوضح المتحدث أنه في هذه المرحلة، وبدون الحكم المسبق على جوهر هذا النهج، من الضروري استيفاء جملة من الشروط السياسية. لعل أكثرها استعجالاً مرتبط بالممارسة الحرة للسياسة من قبل الأحزاب السياسية والنقابات والحركة الجمعوية والمجتمع المدني ككل. إذ لا يمكن تصور قبول هذا العرض بشكل صحيح وجاد دون تسوية العقبات التي تعترض حرية ممارسة العمل السياسي الحزبي ورفع القيود المفروضة على ممارسة الحق الدستوريّ في الحصول على معلومات موضوعية، وحرّة، ومسؤولة.
كما أكد أن من سوء الطالع أن نلاحظ استمرار الضغط الصارخ للإدارة ، وتدخلها في الحياة السياسية الذي يغير المناخ السياسيّ ويتعارض مع التزامات رئيس الدولة. ومن الواضح أننا لم نتسقِ الدروس من الماضي، لأن هذا الوضع لا يخدم الادارة التي تحولت الى دولة، التي يتوجب عليها الحفاظ على صلاتها بالمجتمع؛ والتي يجب أن تخضع مهامها للرقابة. وفي نهاية المطاف، يبقى رئيس الجمهورية المسؤول الأول سياسيًا عن عمل مؤسسات الدولة وفعاليتها.
وأشار الديبلوماسي السابق إلى أنه قد يشكل الاحتفال القادم بالذكرى الستين للاستقلال الجزائر موعدًا مع التاريخ لاستكمال تحرير الأرض بتحرير الرجال والنساء فيها؛ كما قد يشكل فرصة لتحرير سجناء الرأي السياسي وللتصالح مع تاريخ بلدنا كبلد رجال أحرار. في هذا السّياق، يستفرد رئيس الجمهورية باتخاذ القرار بشأن توسيع التدابير المتبعة لهذا. إنه سيخاطر، مثل أسلافه الذين شرعوا في إصلاحات سياسية جريئة، بعدم تلقيه الدعم الكامل من إدارة مترامية الأطراف، تعتبر نفسها هي الدولة، وتتغذى على مخاوفها وتقاوم أي شكل من أشكال التغيير.
من هذا المنطلق، لا بد أن تنخرط الدولة في تعزيز حرية التعبير وإنشاء نظام معلومات وطني حديث وفعال يخدم المجتمع بكل مكوناته. وفي السياق الحاليّ، فإن النظام ليس في وضع يسمح له بدعم مشروع سياسي وطني متجدد، ولا يمكنه حتى حماية البلاد من تدخل شبكات التواصل الاجتماعيّ المعولمة، التي تفلت آثارها غير المنضبطة أحيانًا من سيطرة الدول الأكثر تقدمًا وتؤثر على سيادة الدول الأقل نمواً، مثل بلدنا. يحتاج بلدنا إلى وسائل إعلام ذات مصداقية وجودة عالية، تعمل في مناخ من الحرية والشفافية لترافق مشروعا سياسيا وطنيا مدفوعاً بالعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات والازدهار المشترك، ولتحصل على دعم رأي عام وطني، شاب وطموح، يخدمه إمداد عالميّ كبير، يقول رحابي.
من الصعب تصور الانضمام -حسبه- إلى عرض التجمع الذي قدمه رئيس الدولة دون إرادة معلنة والتزام ملموس لصالح السيطرة الشعبية على الثروة الوطنية؛ والتي لا تزال في صميم اهتمامات الجزائريين الذين شهدوا الخصخصة الممنهجة والمنظمة للملك العام.
وأكد رحابي أن غياب الرقابة التشريعية والقضائية قد شجع الفساد. وهو ما أثر على نوعية حياة الجزائريين، مما شجع على نزوح النخب وظاهرة الحراقة. كما أدى إلى إبطاء ديناميكية الاقتصاد، رغم أنه يستوفي جميع معايير القوة. كما خفض مستوى التعليم ونوعية الرعاية الصحية العامة؛ وألحق الضرر بالبيئة السياسية.
وأضاف بالقول: “إن نموذج التنمية الجزائري، وإن كان تاريخيًا ذو طابع اجتماعي، ينبغي ألا يخلو من الصرامة والعقلانية والقدرة التنافسية لضمان استدامته وتقليل التفاوتات الاجتماعية، كما لا ينبغي أن يكون مشحوناً أيديولوجياً أو محدداً من قبل البيروقراطيين، من ناحية. ومن ناحية أخرى، يجب أن ينبثق عن ميثاق وطني بين جميع متعاملي المجال الاقتصادي والاجتماعي. ميثاق تحتفظ فيه السلطات العامة بالقدرة السيادية على التنظيم والرقابة وتهيئة الظروف لإنتاج الثروة الوطنية، التي لا يزال أعلى تركيز لها متواجد في النظام المالي الموازي”.
وتابع: يؤدي رئيس الدولة، الذي يضمن استقرار البلاد، دوراً رئيسياً في البحث عن وتنشيط وإرساء معالم هذا الميثاق الاقتصادي الموزع للثروة بشكل عادل، لأن المجتمع الجزائري سيواجه صعوبة في تحمل آثار أزمة عالمية ذات النتائج غير الواضحة؛ ولعل عواقبها الأولى تكمن في ارتفاع أسعار المنتجات واسعة الاستهلاك بين 25 و30 في المئة. وستساهم مشاورة واسعة النطاق في تجديد واثراء المناقشة من أجل الحصول على أوسع تأييد ممكن وتوافق الآراء المنشود بشأن التدابير التي ستتخذ في هذا السياق من الفوضى العالمية. في الجزائر، كما هو الحال في أي مكان آخر، يتوقع الجميع كل شيء من الدولة أثناء الأزمة ولا ينخرط المجتمع بشكل كامل إلا عندما يشعر أنه قد تم استشارته وسماع صوته”.
ويرى الوزير الأسبق أنه من الضروري بمكان إجراء مشاورات وحوار شامل مع الفاعلين السياسيين والعالم الأكاديمي ووسائل الإعلام لتبادل ومشاركة قراءات العالم الحالي وقبل كل شيء لتحديد ومشاركة مسار العمل الذي يلبي مصالح الجزائر على أفضل وجه، فالعالم يزداد تعقيدا بسبب التسارع المقلق للتاريخ، وعودة علاقات القوة الجيوستراتيجية، وتهميش الجهات الفاعلة المؤسسية مثل الأمم المتحدة وتقادم القراءات الأيديولوجية أو قضايا الحرب العالمية الثانية، التي لا تزال مهيمنة داخل النخب الجزائرية.
وواصل:” إن العالم الآتي سيكون عالم حروب النفوذ والبيانات الضخمة والاقتصاد والتحالفات الاستراتيجية، ولرئيس الجمهورية، الذي يجسد دستوريًا الدفاع عن المصالح الدبلوماسية الجزائرية، الصلاحيات والأدوات اللازمة للعمل على تشكيل والمحافظة وتوطيد الإجماع الوطني وترسيخه في مسائل السياسة الخارجية والدفاع الوطني”.
واختتم: “إنّ ضمان التماسك الوطني سيعتمد إلى حد كبير على معالجة هذه الاستجوابات بسبب ضعف سيادتنا الصناعية والتدخل الأجنبي متعدد الأوجه وموقع بلدنا في هذا العالم المتغير. إذ تظل بلادنا واحدة من أكثر الدول محكمة الاغلاق في العالم، ضحية الصورة التي تعطيها لنفسها، والتي أصبحت نموذجاً مجتمعياً. وحتى لو وضع التاريخ والجغرافيا الجزائر في نقطة التقاء كل الثقافات والأديان وثروات العالم، فلا يمكن لها تحقيق العظمة إلا من خلال مشاركة المواطن الحر في مشروع وطني قائم على العدالة والحرية. من الواضح أن مهمة رئيس الدولة ليست سهلة لأن تقليد الحوار مفقود في الحياة السياسية للأمة، لكن المصير المشترك يمر حتماً عبر تعزيز قيم التشاور الدائم وفضائل الاحترام المتبادل”.