أخبار بلا حدود- كوني خبيرة في التسيير الصحي قمت بمراجعة بعض الأبحاث والمقالات حول موضوع الصحة الرقمية وكيف دعت اليها منظمة الصحة العالمية في انطلاقة منها للتركيز على تسطير الهدف المنشود وهو وقاية الملايين من البشر من الوفيات التي تحدث بسبب الأمراض الغير متنقلة كمحور اهتمام أساسي منها، وهذا وفقا لتقرير نشر من طرف منظمة الصحة العالمية وكذا الاتحاد الدولي للاتصالات ( يمكن مراجعة ذلك في موقع منظمة الصحة العالمية مقال بعنوان : Renforcer la santé numérique peut aider à prévenir des millions de décès dus aux maladies non transmissibles.
وكإجراء صحي احترازي للعقد القادم، بتقدير يضمن تفادي ما نسبته 7 ملايين حادث خطير وكذا اقامات بالمستشفى من أجل التشافي، في خضم سياسة صحية تحاول منظمة الصحة العالمية مواكبة التحديات التي تشكل خطرا على صحة الانسان على المستوى العالمي ، وتقديراتها انما تُبنى على معطيات تطوير المنظومات الصحية ككل، تحت شعار أن مستقبل الصحة يمر عبر الرقمنة ، ومن أجل تجسيد هذه الرؤية ، لابد من توفير موارد وتنسيق منظم .
فوفق ما صرح به المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور” تيدروس ادهانوم”، في حصر لمجموعة الأمراض التي تحتاج لعناية ومتابعة خاصة وفق الاستراتيجيات الموضوعة من طرف حكومات الدول ، ومنها : داء السكري والأمراض التنفسية المزمنة كونها مسؤولة على سبب حدوث الوفيات ما نسبته 74 % في كل عام، اذ يعد اقحام الصحة الرقمية في الأنظمة الصحية التقليدية بمثابة تحد من أجل تخفيف العبء على المنظومات الصحية في العالم كله.
ومسايرة من الجزائر لهذا المشروع الصحي العالمي ، من خلال محاولة لاستخلاص الهدف ، وهو تحسين الآداء الاداري والطبي في نفس الوقت بديناميكية رقمنة تعتمد في الأساس على برامج حاسوبية، تتضمن معطيات تخص مسار المريض منذ دخوله المستشفى الى غاية خروجه منها، أين يبدو الغرض من الرقمنة هو توفير عامل الوقت وكذلك سوء التنظيم فيما يخص الطوابير التي عهدتها المستشفيات الجزائرية في سنوات سابقة ،أين جعلت من المنظومة الصحية مركز استنزاف بدل أن تكون قطبا صحيا منظم عمليا ومردوديا فيما يخص العوائد التي كانت تعود لخزينة الدولة بما يتم تحصيله من أثمان رمزية نظير الآداءات الطبية والشبه الطبية .
ومن تبدو الرؤية الجزائرية مختلفة عن رؤية منظمة الصحة العالمية وهذا شيء طبيعي ، لأن من يؤطر البرامج والمناهج الصحية هي منظمة الصحة العالمية ونظرتها لمستقبل المنظومات الصحية لا يعتمد على فرض تسهيلات لحكومات الدول في أن تحسن وتطور من أنظمتها الصحية ، ولكن سياسات الدول ومدى حرصها على تحسين منظوماتها الصحية هو الأساس المطلوب في تطوير البنى التحتية لقطاع الصحة باعتباره عاملا مهما في هذه الرسكلة الصحية ، متمثلة في المورد البشري بالدرجة الأولى، والجزائر انتهبت مؤخرا للتصحر الذي يشهده قطاعها في هجرة الأطباء واختيارهم للوجهات الأجنبية بحثا عن ظروف عمل جيدة وأجور مناسبة لتطلعاتهم ومستقبلهم المعيشي وحتى الأكاديمي.
فالرقمنة كان الهدف منها هو تطوير الصحة الجزائرية مع البحث بالتعمق في المشكلات التي تعوق قطاع الصحة عن التطور، واحصاء مجموعة المثبطات كان بمثابة إعادة توجيه الصحة الجزائرية بتغطية آلية بما يسمى الرقمنة ، كبداية لوضع الصحة على السكة الحقيقية حتى يتم سد منافذ تبديد المال العام من خلال المشاريع التي لم تكن تكتمل في السابق وبالتالي حصر الانفاقات المالية ومتابعتها عن قرب لمعرفة المشاريع التي يُصب فيها المال العام .
فحتى لو كانت الجزائر متأخرة في اقحام مشروع الرقمنة ، الا أن محاولة الالمام بتفاصيل الرقمنة الحالية والمستقبلية نظير المستجدات والتطورات المنتظرة كسياق عملي يمكن تعداده الكترونيا ، وحتى يكون المشروع مستوفيا لشروط النهضة لقطاع الصحة من حيث توفير الخدمة الجيدة ومرافقتها بأهم التحديثات البرامجية.
ويبقى السؤال الجوهري هو:
هل تكفي الرقمنة لتطوير الصحة الجزائرية ؟ أم لابد من لواحق تتصل مباشرة بهذا المشروع الالكتروني؟.
بالعودة الى ديباجة الرقمنة وما احتوته من تفاصيل وأهمها حفظ البيانات والمعلومات العلاجية الخاصة بالمريض ، يمكن التوقف لمعرفة الهدف من هذه الرقمنة وفيما سيتم توظيف العمل بها مستقبلا ، هل الغاية منها تحسين الآداء وسرعة الوصول للمعلومة أم هو آلية مراقبة وتتبع لتطبيقات الصحة وحصر التجاوزات والخروقات التي يمكن أن تحصل ، وهذا يتطلب تجهيزات متينة ومحصنة من الاختراقات التي هي في تطور مستمر بتطور الجريمة السيبرانية التي لا تعرف توقفا أو ردعا حقيقيا لها ، ثم فكرة التخلص نهائيا من المعالجة الورقية واليدوية للمعلومات تكون محل نظر وتخمين حقيقي، فالتخلي الكلي عن ذلك يحتاج الى تحمل مسؤولية في هذا الاطار ، والتي تجعل من مستخدمي الصحة من خلال اعتيادهم على الصحة الرقمية بمثابة المغامرة التي لا تقبل العودة الى سابق عهد بالنظر الى عامل الوقت الذي هو أهم استثمار في المشروع كله من حيث وفرة الطاقة والجهد بفارق زمني مألوف.
وبصيغة علمية أكثر وضوحا، تبنت الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية قيمة التحول الرقمي وامتداده الى الجانب الاقتصادي وذلك باستكشاف الفرص الاقتصادية التي يمكن لقطاع الصحة أن يضيفها للمحور الاقتصادي ككل ، ثم معرفة قيمة الصحة الرقمية ومدى ارتباطها بتطوير المنظومة الصحية ، فهذا يتوقف على المردودية التي ستحققها هذه الصحة الرقمية في الميدان والعائد النفعي الذي ستعود به للأجيال وللوطن ككل، ومن البديهيات القول أن الصحة الرقمية بمجرد اعتمادها كأسلوب يتحكم في الآداء الصحي ، تكون قد حققت نجاحا سريعا ، اذ يبقى الاستثمار في طاقة مستخدمي الصحة أهم بند لتطوير قطاع الصحة بصفة عامة في ظل بقاء بعض النقائص التي يعاني منها القطاع كنقص التجهيزات والعنصر البشري، لأن اعتماد مشروع الرقمنة لمجرد القول أن تطوير الصحة ينطلق الكترونيا ، هذا ليس معناه أن مشاكل الصحة قد تم حلها بهذه الطريقة ، فما هو مرتبط بالبيئة العملية الروتينية لن تكون الصحة الرقمية بديلا عنه، حتى لو تم اقحام الذكاء الاصطناعي في الآداءات العلاجية ، لأن معالجة نقائص الصحة تنطلق من الأرضية والمناخ المهني ككل، أي بعرض صيغة التعديلات القانونية بصفة صحيحة وكاملة واحتواء المشاكل المهنية من الجذور كمطلب جوهري لتطوير الصحة الجزائرية، واذا لم يتم التعرض لهذه النقائص بحلول ناجعة حقيقية بعيدة عن التسويف ، فان ذلك سيترك الصحة تُسير شكليا وبوعاء رقمي ، أما المردودية فستكون متأخرة أو ناقصة في تحقيق الأهداف المرجوة ، وهو القضاء على عنصر الرداءة في قطاع الصحة وبصفة نهائية، ودعم وتحفيز القدرات المهنية برفع الأجور وتحسين البيئة المهنية هذا اذا أردنا حقا أن نجعل من الصحة الرقمية مشروعا تحوليا ناجحا بامتياز.
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.