أخبار بلا حدود- وتسجل الجزائر مرة أخرى ضمن مقادير الله عزو وجل رحيل الهامة الكبيرة البروفيسور كمال بوزيد رئيس قسم الأورام السرطانية بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، شخصية عملاقة ، متواضعة خدومة للمرضى انبل صفات الاحترام، فقد كان لي معه لقاءات في مكتبه المشع علما ومهنية، جعلتني أفتخر بهذه الشخصية العلمية التي تشع عيونها صرامة وعلم وتركيز شديدين، حتى وان كنت غريبا عنه ولست بالقريب يكفي وأنت تتكلم معه تلتمس فيه نموذج الشخص الهادئ الرزين المركز على الأهم في مضامين الكلام ، تتأمل في حركاته سكون الوقار والتواضع بتفكير عميق الأنفاس حول مستقبل الصحة الجزائرية بل مستقبل الجزائر قاطبة.
ربما لم تكن لي لقاءات كثيرة لكن ما كتب الله لي كان كافيا لأن أتعرف عن قرب عن البروفيسور كمال بوزيد رحمه الله طبيبا وعالما وانسانا خلوقا ذو مبادئ راسخة لم تتغير طوال مشوراه المهني والعلمي ،كمال بوزيد رحمه الله هو من وضع اللبنات الأساسية للتداوي من مرض السرطان والأورام بصفة عامة ، كونه رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة مرض السرطان، بمعنى أنه عميد في هذا التخصص.
البروفيسور كمال بوزيد ، قامة من قامات الصحة الجزائرية التي لا يمكن تقييمها من مجرد التواجد في مكتبه بالمصلحة الاستشفائية أو من خلال المداخلات التي تُقدم لاثراء الصحة الجزائرية في هكذا تخصصات متعبة وخطيرة، قامات مثل هذه بقدر ما تحاول معرفة المزيد عنها فلن تعرف الا قطرات في بحر ولما لا في محيط، ليس جزافا أن نكتب عن كمال بوزيد ومكتبه المهني المليء بالشهادات والصور التذكارية وأوسمة التكريم والتشريف داخل الوطن وخارجه ، هي من نالت الشرف ضمن العارفين والمقربين والمتعاملين معه سواء زملاء مهنة أو مرضى، لذلك، حري على الطلبة والأطباء الزملاء أن ينقلوا هم مجاراتهم للمرحوم بوزيد ، وأكيد كل واحد منهم يحتفظ بذكريات مهنية جميلة سواء في التوجيه الأكاديمي أو البحثي في مجال علاج الأورام السرطانية، أو في اطار المشاورات اللجانية المكلفة بتحديد مسار مريض السرطان وهو يدخل نفقا طويلا من أجل العلاج والتعافي منه.
هذا المرض التي سخرت له الدولة الجزائرية ميزانيات كثيرة سواء من ناحية العلاج الكيميائي أو من ناحية توفير الأدوية اللازمة لمرضى السرطان على اختلاف أنواعه.
البروفيسور كمال بوزيد ، شعلة علم ومنارة أخلاقية زخرت بها الجزائر في قلب مستشفى مصطفى باشا ، شخصية متزنة ،صارمة محبة للمرضى ومنشغلة بهموم من يعانون الآلام والخوف من مصير مجهول أحيانا بسبب هذا المرض، وأحيانا معلوم حين يتم التشخيص الجيد، وللجزائر أيضا كلمتها في يوم وفاة هذه الشخصية المحترمة والقامة الكبيرة .
حتى وهو يغادر مكتبه المهني الى التقاعد الا أن البديل له يكاد يكون منعدما ، ليس لعدم وجود أطباء أكفاء ،فهم موجودون والجزائر تزخر بهم في جميع التخصصات ، ولكن بنفس العقيدة التي كان يؤمن بها كمال بوزيد نستطيع القول أنهم قلة.
فلا أحد ينوب عن الآخر حين يتعلق الأمر بالضمير المهني اليقظ والنفس المحبة للمهنة والعقل المفكر في مستقبل جيل الأطباء الجزائريين ، كيف لها والصحة الجزائرية هي اليوم من ترثي ابنها البار والمتميز : كمال بوزيد .
فاذا كانت الصحة الجزائرية قد تبنت أعمدة وقامات كثيرة في الطب بصفة عامة وفي تخصصات متعددة ، فحري بها اليوم أن تذكر خصال ومناقب من تبنوا فكرة الطب ليس فقط مهنة ، بل كواجب انساني ووطني بالدرجة الأولى، ثم كمهنة شريفة ذات أبعاد وتطلعات مستقبلية لإيجاد أنجح الطرق في علاج مرض السرطان، في الوقت الذي تعرف فيه الصحة الجزائرية تذبذبات هيكلية في نسبة الأطباء الذين تحتاجهم المستشفيات على تنوع هياكلها وتخصصاتها.
حري اليوم اذا، والجزائر تودع أحد قاماتها الكبار كمال بوزيد أن تقف وقفة مشخصة لواقع الصحة حين يرحل هؤلاء الكبار تاركين تجربتهم وعلمهم ومسيرتهم الزاخرة بالانجاز وأي انجاز؟ ، انها اللمسة السحرية التي توضع على أجساد مرضى السرطان فتداويهم وترسم بروتوكول العلاج بأدق تفاصيله ،وتحمل معها هم النتائج بتصور أن يكون الشفاء قريبا .
فتخصصات مثل هذه ( أورام السرطان ) لهي مغامرة وحظوة لا يعتلي حبال التحدي فيها الا ذوي الهمم العالية والجرأة الشجاعة في متابعة المريض واعطائه بلسم أمل ضمن ما يشكله هذا المرض من خطورة على الصحة وعلى الحياة بصفة عامة.
الجزائر اليوم تفقد ابنا آخر من أبنائها البررة وبرحيلهم تفقد المنظومة الصحية رقما هاما وأوليا من قائمة أعمدة الطب الذين نفخر بهم من كل بقاع الوطن المفدى، نحسبها خسارة كبيرة لا تُعوض، وفي نفس الوقت نتمنى أن يحذو جيل الأطباء الى أن يصبحوا أمثال كمال بوزيد ، حتى لا تشعر الجزائر بالحزن على رحيل من ألفتهم وهم في قمة العطاء ، لأنهم عندما يرحلون في صمت ،هو الصمت نفسه من يخيم علينا وعلى السرة الصحية، وما علينا الا أن نقول : رحم الله البروفيسور كمال بوزيد وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان ..انا لله وانا اليه راجعون.
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.