- كيف نبني مجتمعا متماسكا في ظل التجاذبات الراهنة؟
- سميرة بيطام
تسعى جموع الدول في الآونة الأخيرة من الزمن والعصر ،سمه كما شئت من الظرف الوقتي للحياة ، قلت تسعى الدول الى أن تحفظ مجتمعاتها من الانسلاخ والانجراف خلف تيارات التغريب الضاربة في هوية ولبنات التماسك التي تربى عليها الشعب من مهد الرضاعة الى لحد خواتيم الأفعال بتزكية الأجداد أن الصنيع كان رائعا ،لأنه كان تكملة لما بدأوه أول مرة في سيرة عطائهم الحافلة بالإنجازات.
لم يكن ضربا من الخيال أن تلتهب الحرب الروسية عبر مواقع شتى لدولة أوكرانيا وقد بدت الأسباب واضحة للأغلبية لكن يبقى السبب الجوهري خفي لا يعلمه الا من جس نبض المدافع وارتداد صصور الضحايا واندثار الأبنية فوق بعضها البعض ركاما يحدوه خراب مستمر يتممه سقوط جزئي للبنى التحتية، هل ثمة خطب آخر يستدعي الدول اليوم لأن ترعى شؤون رعيتها بتوفير الغذاء الكافي والثروة المائية اللازمة لتبقى استمرارية الحياة مكفولة وطنيا دون الحاجة لمد يد المساءلة والمعونة للخارج.
نثق يقينا في مساعي دولتنا العريقة التي لطالما بحثت لها عن ميكانيزمات استباقية في وضع خطة بديلة لما قد يصادف مسارها الإيجابي نحو التغيير ،رغم تكالب الهجومات المسطرة ضدها على نحو من التنوع جعلنا نخوض بعضها منها فرادى، سواء في الميدان أو على الفضاء الأزرق لنعرف قيمة هذه االحروب وهل كان بالإمكان هدم ما انفردت الجزائر ببنائه عبر أزمنة خلت؟.
لن أرسم نقطة الانطلاق من الحراك المبارك بل قبله ،لأن الدولة الذكية التي تريد الظفر بأولى تذكرة الريادة عليها أن تستيقظ باكرا وتحصي ما لديها من موجودات مادية وبشرية وعتاد حربي واستراتيجيات فاعلة للسيطرة على الوضع في حال تعرض الوطن لأي نوع من المشاكسات التي لن تخلو من الاستفزاز المألوف والمعهود به ، يبقى أنه آيل للفشل بطبيعة الحال.
قلت تدربنا على الفضاء الأزرق في تجربة فريدة لمواجهة طريقة تفكير العدو سواء في للجريمة السيبرانية بمختلف فروعها التي كانت أحيانا ترتكب في كواليس الحواسيب دون أن يعرف الواحد منا الشيفرات اللازمة لفك ألغازها ولا الأهداف المسطرة للضرب في أسلوبها، فكان كافيا فهم من هو المستهدف أو بالأحرى الفئة المستهدفة وهي بالدرجة الأولى وعي المواطن الجزائري الذي وجد نفسه يتابع عبر صفحات التواصل الاجتماعي مجريات الأحداث ومداخلات المشهورين بالتصريحات التي تضع القول الفصل بين ما يُحبك هنا وهناك ، ومع ذلك بقي الوعي يتشكك من حين لآخر ،لأن الاعلام العميل يعطي الصورة والصوت النمطي لحقيقة مدبلجة علها تستصيغ وعي المواطن وتجره نحو فهم أن الجزائر ستكون قاصرة على اكمال مشوار التغيير ،لكن الفئة الرائدة في المجتمع الجزائري والتي أعتبرها صمام الأمان من عناصر الأمن والجيش بمختلف أسلاكه استطاعت أن تحصر هذه الألاعيب لتضع برنامجا استباقيا وقائيا ضد ما يخطط له للاضرار بالوطن والشعب على السواء، لذلك تبدو ميكانيزمات الحفاظ على المجتمع الجزائري من هذه الضربات الغير بريئة أن يرفع مستوى الوعي واليقظة والرد اللازم وقت الشعور بالخوف وهو رد مشروع لأن الدفاع لن يكون عن النفس فقط بل محتويات الكينونة الجزائرية من قيم وهوية ومبادئ وخريطة وطنية بحدودها وعناصر التأقلم فيها نحو صناعة مصير يشفي غليل الكثيرين من الجزائريين المتعطشين للحرية التامة باستقلال أكيد عن استعمار الأمس واليوم والذي يريد التموقع أكثر عبر زيارات ستبقى في عقولنا مجرد محاولات لذر الرماد في العيون أن القوة الاستعمارية لا زال بريقها لامعا، وأقولها أن هذا البريق سيخفت قريبا تماشيا مع صناعة القرار الجديد على جميع المستويات في الجزائر وهو إقامة دولة قوية وفوق كل الظنون.
ستبدو الميكانيزمات من أجل بناء مجتمع متماسك لا يتأثر بمحاولات العدو في مجموعة من النقاط أقترحها في هذا المقام المتواضع منها على سبيل المثال وليس الحصر :
1-التأكيد وإعادة التجديد في بناء عنصر الثقة بين السلطة والمواطن من خلال تغييرات مرحلية سواء لدى المتداولين على السلطة في موقع الوزراء أو المسؤولين الأقل درجة باختيار الكفاءات الوطنية التي قدمت نفسها كتجربة للتصدي لبعض مظاهر التعدي على الحرمات الوطنية والهوية وهو مكسب لن يكون فيه رجعة لأن المنطلق وطني وتاريخي وعقائدي بامتياز.
2-تشجيع مساهمات الدولة نحو اثراء مشروع المواطنة لمزيد من التعمق في الإصلاحات حتى على مستوى أجهزة الأمن لتكون اليقظة على أعلى مستوى من التأهب والتصدي، وبالتالي احاطة المجتمع الجزائري بحزام أمني لا يمكن اختراقه وحتى لو تم اختراقه تستخرج فورا بدائل الدفاع اللازمة وفقا لمتطلبات الجريمة الحديثة التي تنوعت مؤخرا من حيث السرعة والترصد والهدف المسطر، وهو ما يسهم في اشراك المواطن آليا وارتجاليا في أن يكون عنصرا يعول عليها في تقديم المعلومة المحينة تماشيا مع فكرة المرافقة التي لن تبقى حكرا فقط في مرافقة الجيش لشعبه بل مطلوب اليوم مرافقة الشعب لجيشه ودولته ومؤسساتها حتى وان بدى أن الإصلاح فيها لم يكتمل بعد، لأن عملية البناء لن تكون على النحو السهل كما يتصوره البعض.
3-فتح المجال أمام الفئات الشابة في مختلف القطاعات واعطائها فرصة لتجريب مهاراتهم واستغلال عنصر الكفاءة والذكاء والقدرة البدنية بما يتوافق وميولاتهم الإبداعية ، فالابداع لم ولن يكون حكرا على الكتاب والمؤلفين والفنانين أو شرائح يراها المجتمع راقية، بل الابداع فكرة ترتمي في حضن كل من يحسن التذوق واحتواء الجمال بأي شكل من الأشكال ،بدل البقاء في البطالة التي تؤدي الى الفساد الأخلاقي والتفكير في طرق احتيالية أخرى لكسب قوت العيش أو على الأقل للشعور بتحرر الذات وقيمتها، اذا عنصر الحرية مهم مع قليل من الاحتراز لمن لم يحسن استغلالها .
4-الاهتمام بشؤون المرأة الجزائرية بما يتوافق ومبادئ العقيدة الإسلامية بعيدا عن نصوص القوانين الغربية التي فتحت المجال على مصراعيه للتفتح الغارق في الانحلال الخلقي ،وذلك بتقريب المرأة من دورها الحقيقي الذي يبتدأ بالأمومة في تربية جيل صاعد بلا عقد ولا مركبات نقص مرورا بدورها في المجتمع عبر وظائف محترمة تحفظ لها كيانها من العنف والانتهاكات ووصولا الى الدور السياسي الذي لن يكون حكرا على الرجال مادامت المقومات دينية والتطلعات مشروعة، فالهدف هو بناء وطن بدعائم ولبنات متينة يشارك في وضعها الكل دون استثناء ، ومنه كان حريا تعديل بعض القوانين لتواكب هذا الاهتمام مثل قانون الأسرة وقانون العقوبات.
5-حماية الطفل الجزائري من الأخطار والجرائم والانفلات من الانتماء الحقيقي وذلك بوضع مناهج تربوية جذابة نحو العقيدة والهوية وتوعية الحس الفكري لديه برفض كل ما هو دخيل على القيم حتى يترعرع بموفور المعرفة والشعور بالمسؤولية في سن مبكرة قد تنطلق من فترة الشباب أين يبدأ الفكر بالتوجه نحو الاستقلالية التي يجب أن تلجمها المناهج الجامعية بلجام الحس المدني العالي الصيت ليكون الشاب الجزائري قويا الروح مكتمل الوعي وصارم التوجه نحو ما يحقق له مستقبلا آمنا بعيدا عن تكرار أخطاء الماضي في تركه يصارع لوحده في قوارب الموت أو عبر قنوات الإدمان المضرة .
وأخيرا ، و كنقطة مهمة ،يجب التقليل من ظاهرة التسويف بالنظر للقضايا المصيرية بنظرة غير حازمة، فمصير أي مواطن جزائري هو مسؤولية المسؤولين على أعلى مستوى بمرافقة سلسة ذكية ممنهجة محتوية للأضرار وللأزمات تجنبا لتكرار تصرفات الماضي التي أقصت أكثر مما قربت والتي أبعدت أكثر مما احتوت، وأملنا كبير أن مسافة الإصلاح تبدأ بخطوة تليها خطوات متباعدة كلما اقتربنا من الهدف ،أين بات واضحا أنه لابد من مراجعة للذات مراجعة صادقة دون ميل لكفة تمجيدها، لأن الأصوات الكثيرة تعالت والكل يدلي بدلوه دون أن يسقطه في الموضع الذي يتواجد به الماء..
وعليه لابد من إعادة تصحيح المسار على نحو من الاستماع للأصوات الحكيمة التي غالبيتها مهمشة أو مبعدة عمدا، ضف الى أن هناك أصوات كبيرة وهامات جزائرية معروفة بديبلوماسيتها الكتابية والفكرية وجب استشارتهم نظير ما يحملونه في عقولهم من أفكار صالحة لكل زمان ومكان، بالإضافة الى نضالهم السياسي الذي يجب الاستفادة منه قبل أن يرحلوا لقبورهم في وحشة وغربة عن الاستثمار الحقيقي، لأن اليوم الكل يتكلم والكلم يمدح والكل يتلقط صورا والحصيلة :
نفس النتائج بنفس الوجه المحتشم للآداء، الا ما كان خفيا يُنسج في صمت تحت لواء الوطن قبل كل شيء وفوق كل اعتبار.