سميرة بيطام: قوامة المسلم بين المفقود والمحضور

سميرة بيطام
 

أخبار بلا حدود- خلق الله السماوات والأرض بميزان وأودع في الانسان أسرار خلقه وبدائع صنعه وميزه بالعقل ليعرف الحق والباطل فيميز بينهما فيما يناسب عقيدته وأخلاقه ومبادئه ، كما خلق الله سبحانه وتعالى الحيوان والنبات ونوع في صنعه وألوانه وأشكاله ، فعجز الانسان امام هذا الصنيع أن يأتي بمثله ولو بمثل جناح بعوضة ، لأن التفرد في الخلق هو لله عز وجل ولا أحد يصنع ما صنعه الله ،ولذلك تحاول الأمم الملحدة بعقول مفكريها وعلمائها ومبدعيها على حسب منهاج حياتهم وقناعتهم الدينية أن يحولوا نظر المسلم نحو وجهة أخرى ينسى فيها ربه وينسى نعمه وفضله عليه وبشتى الطرق والوسائل ، حتى يكون لدين الله دين بديل وحتى يكون هناك منافس يحاول وعلى مر قرون من الزمن أن يصنع الند لله ، والمحاولات بدأت بل وتطورت بتطور التكنولوجيا والتقنية الحديثة التي ساهمت بشكل كبير في أن يصبح تفكير الانسان في هذا العصر تفكير مادي بحت وتوجه عقله هو توجه سلبي أكثر منه إيجابي ، ولو أن المحاولات التي يخضوها العلماء المسلمون والمؤطرون الداعون لدين الله من أئمة ودعاة ونخبة ملتزمة تسعى جاهدة في أن توقظ وعي الانسان المسلم من الغفلة التي تعتريه من حين لآخر ، ان لم نقل تلك التي يعيش بها ويرتديها كرداء جديد يستمتع من خلالها بالمتاحات والموجودات التي سمحت بها العولمة منذ القدم.

ففي كل مرة نسمع ونرى أحداثا جديدة تسير على عكس توجه المسلم في هذا العصر ، ومن حين لآخر تطرق عقولنا أفكار وسلوكات جديدة ،اما أننا نعيشها بأنفسنا أو نسمع عنها لدى الآخرين، فيرتبك فينا الشعور وتضطرب معنا حواسنا لما نشاهده من تسارع في وتيرة المستجدات الحياتية التي أظفت على الحياة دواخلا ومستجدات وضعت المسلم في اطار ضيق ، قد يشعر فيه بالتضييق على نشاطه ودعمه لدينه ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكأنك تشعر أن كل شيء موجه ومتحكم فيه ،بما في ذلك بعض السلوكات التي تنبع من الأفراد ولا يكون لها سبب واضح أو لا يظهر لها دافع لأن تحدث ، فيصبح المؤمن أشبه ما يكون بالحيران المتوجس المحتاط من كل شيء يدور حوله، فتقل الثقة بسبب انعدام الاحترام ممن يتعاملون معه ، والغرض من كل هذا التبدل والتغير هو فرض قوانين ذاتية شخصية لا تمت بصلة بالقوانين المنظمة للآداب العامة ولا لمظاهر التآخي والتآزر ولا للتعامل بالعدل وتبادل التقدير الذي يزيد من وتيرة الاعجاب والرضى والطمأنينة ،وكل ذلك يدخل ضمن ما يسمى الارهاصات المستحدثة بسبب طاقات التحول البشرية التي تتفاعل بمفردها لتشيع الفوضى وتربك الابداع وتؤثر على ممتلكات وحقوق الغير البسيطة من حرية العيش بسلام وأمان الى ضرورة الردع بفرض القانون الذي يلاحظ أنه يغيب أو يتغيب أو يتأخر في أن يطبق على المغالطات والأخطاء فيقوم الاعوجاج فيها ويعاقب مخالفيها ، ومعرفة السبب لايزال قائما ومجهولا أحيانا في آخر الزمان الذي نعيشه ، بدعوى التحرر من الحقرة واحتكار الامتياز ، تصبح الحرب على المستقيمين في سلوكاتهم بمثابة الواجب الذي يجب أن يُؤدى ليتساوى الكل تحت ذريعة أننا كلنا بشر ونتساوى في الحقوق والواجبات ، والله فضل بين عباده ، بين العالم والعابد ، بين المجاهد والقاعد في مكانه لا يراوحه ولا يصنع معروفا لغيره أو حتى لنفسه ، مع نسيان أن لكل مجتهد نصيب وقدر من الثناء والشكر والمكافأة، كل بما أقدم عليه من خير وصلاح وإنجاز.

ان مشابهة السفيه بالتقي ومقاربة السارق بالأمين ومساواة الكاذب بالصادق، جعلت من قواميس النظام الحياتية تحمل في صفحاتها مصطلحات جديدة ومتضاربة المعنى ، والسبب يعود بالدرجة الأولى الى الشعور بالدونية ، هذه الدونية التي هي في أصلها وليدة بيئة مضطربة يقل فيها التفاهم والتواصل والحوار ويسود فيها الانحلال والتفسخ والانحراف عن الفطرة السليمة ، ولذلك يجد المسلم نفسه اليوم محاصر بين ما تفرضه العولمة بتفاصيل برامج التغيير المفروضة على طاقة الانسان السليمة وبين ما يحاول منطق ضميره أن يتمسك به ، من ثوابت وقيم تربى وترعرع عليها ، فيقع في صراع بين دواخل الماديات والتقنية وبين لوازم التربية والأخلاق الصحيحة، ويتساءل عن الحل ويبحث عن القانون المنصف بين الحكماء الذين بإمكانهم أن يؤدوا الدور الجوهري المنتظر منهم وهو تشكيل حصن حصين ضد هبوب رياح التغريب العاتية وأمواج التشتت التي تتلاطم فيما بينها لتحدث الفتنة والمشكلة وبالتالي تنفتح شهية المرضى نفسيا ممن يعانون من عقد يعود تاريخ تشكليها منذ طفولتهم ، فيطبلون للفوضى ويقرعون أجراس الزهو والفرح لأن غليلهم بدأ بالتشافي بمجرد أن الفتنة انطلقت وظهرت ، وفي خضم كل ذلك يغيب الضمير والتعقل والفكرة النيرة، فتتداخل الأهداف وتسقط القدوة في مطبات التهميش والتعسف لأنها مزعجة ولأن واقع الحال اليوم يتطلب ضربا لمصداقية الأخلاق والاستقرار والهدوء، فأصحاب النفوس المريضة تكره السلام والانجاز والتحضر والرقي وتحب الدناءة والتفاهة والفوضى والرداءة والمشاكل ،وكل هذا حتى لا يسير المركب في ثقة وحتى لا تتطور الأفكار فتصبح أهدافا محققة ، ويعيب قصار النظر عن غياب الدولة والشرطي والمحامي والقاضي والطبيب والموثق والفلاح والحارس ، وهو في حد ذاته يكون سبب المشكلة أو الفتنة ، لأن النظرة الدونية النابعة منه ضد من يرتدون لباس التقوى، يجعل منهم كلابا جائعة تبحث لها يوميا عما يشبع نباحها، وللأسف لا يوجد ما يشبع ضالتها ، فتتكرر المحاولات ويتصارع المسلم مع المؤمن أحيانا بسبب زيادة التقوى والايمان والانجاز ، وبدل أن تكون المعركة بين الخير والشر ، تتحول الى معركة بين مسلم ومسلم بدرجة منافسة للأسف لم تكن شريفة ، فتتحول الأعين عن المصدر الحقيقي للفتنة أو المشكلة وعن المتسبب فيها الى وجهة أخرى بريئة تماما مما حصل مثل براءة قميص يوسف من دم الذئب ، فيكون التركيزعلى ذلك الانسان النزيه التقي الشريف المعطاء الذي يبدو سحابة ماطرة حيثما مرت أشبعت بمائها ، وبسبب تلك العقد النفسية تزرع الأشواك في الطريق ويُرمى بالحصى في ممرات الواثقين بالله لمحاولة تعطيلهم في مسارهم ، ولو أن الخطط اليوم باتت أكثر من مكشوفة ، لأن المسلم يشعر بها والمؤمن يراها ببصيرته.

فبين المفقود من الأخلاق والمحظور من العلاجات المناسبة للصراعات والمظالم يفقد المسلم نكهة الحياة ولكنه يبقى ثابت القوامة والمبادئ الى أن يقتص الله له حقه اذا كان فاقدا لأسباب النصرة التي هي اليوم غائرة وغارقة في محيط المشاكسة والاستهزاء ومحاولة استضعافه بشتى الطرق الدنيئة ، فما يجتهد فيه أصحاب القلوب المريضة وأعداء النجاح اليوم أكبر بكثير مما تنابزت به الجيوش بسيوفها في حروب ضارية ، لأن العدو الأمس كان ظاهرا ومعروفا وعدو اليوم مستتر ومختبئ ، ولا يحيق المكر السيء الا بأهله ، هي ضالة المسلم اليوم وسط أزمات الفتن والفوضى.

الأستاذة: سميرة بيطام

حقوق النشر :

إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.

نموذج الإتصال

أية استفسارات أو نقاشات يرجى طرحها أسفله في خانة التعليقات و المناقشات.

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: ماذا خسرت الجزائر بموت قاماتها؟

أخبار بلا حدود- وتسجل الجزائر مرة أخرى ضمن مقادير الله عزو وجل رحيل الهامة الكبيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!