- على أعتاب الحرية: سميرة بيطام
أيا كانت مشاهد طوفان الأقصى متنوعة وصعبة وشاقة على من لم يتوقعها في تاريخها من السابع من أكتوبر 2023، وأينما انتشرت السواعد الثقيلة المحملة بعظم مسؤولية الحفاظ على الأرض والعرض والمقدسات، وحيثما ارتفع دوي الدبابات وهزيج القنابل ووقع الصدى لدمار المنازل والمساجد والمستشفيات التي ناقض سقوطها القوانين الدولية ومبادئ حقوق الانسان ، فان ما حدث هو أمر رباني قبل أن يكون بشريا والصدع للأمر جاء لنصرة قضية عادلة طال عليها الزمن وكبرت على جوانبها أجيال حلمت بالفجر الذي يلي يوم ميلادهم أنه سيكون يوم النصر.
تابعنا المشاهد عن بعد وكنا نبكي وقت البكاء ونفرح وقت الفرح ونتوجس وقت المخاوف ولو كانا بعيدين عن المشاهد في حلبة الصراع .
فلا يهم في ذلك تقريب البعيد أو ابعاد القريب، المهم أن القلوب صارت موجوعة والأنفس مصدومة والمعنويات صارت لا تفي بغرض قضاء الحاجات اليومية وشراء ما يلزم من قوت اليوم، لأنها فواجع ومواجع وآلام ونحن نشاهد أمثلة عديدة للعذاب والحسرة كتلك الأم الفلسطينية التي تنادي على أبنائها وهم تحت الأنقاض عساها يسمعونها ويردون لها الجواب أنهم أحياء .
انجرحت كثيرا كلماتنا وتشتت حروفنا في الآونة الأخيرة وكنا لا نجبر هذا الصدع الا ونحن نصلي وندعو الله أن يخفف عن غزة آلام أطفالها الذين اغتالت الحرب لعبهم وأحلامهم وطموحاتهم الزائد والمشروعة للحرية وهم على أعتاب الموت مرة وعلى اأتاب الخلاص من الموت مرات ضئيلة جدا.
لا ضير أن الألم واحد والحزن واحد ، فحتى السماء شاركت الفلسطينيين تأبين شهدائهم بصمت خيم على ربوع المعمورة الا ما كسرته حناجر المتظاهرين نصرة لفلسطين وتنديدا بالأعمال الاجرامية المرتكبة ضد نسائها الحوامل وأطفالها العزل.
فما تأسف له المتابعون هو ذاك التقاعس عن مد يد المساعدة وإدخال المؤونات من أدوية وأغذية للمتضررين من هذه الحرب، وكأن لسان الحال يقول أننا معفيون
والواقع أن لا أحد يضمن لنفسه النأي عن الابتلاء والمحن والشدائد ، في عصر قلما نقول عنه أنه عصر التكالبات والصراعات من أجل تغيير وجه الانتماء لمن هو أقوى أو لمن يملك أكثر.
ربما لا تعنينا هذه المعادلة كمواطنين بسطاء يبحثون لهم عن الأمن و الاستقرار، لكننا معنيون ولو لم نشأ بأن نفهم أن ما يدور في العالم من اضطراب ونزاعات انما هو لأجل بسط خريطة جيوسياسية جديدة ترتب الدول بحسب قوتها العسكرية وهيمنتها الحضارية و ثقل وزنها الدولي، فمن احتاط لهذه الحرب التي حتما ستتوسع قادم الأيام و الشهور فقد فهم أن هذا العالم في تغير مستمر وعليه الاستعداد لذلك بشتى الطرق ، ومن بقي متفرجا متأملا في عمق الجرائم المرتكبة على الشعوب المستضعفة ، فحتما يريد أن يرى العالم بنظرته البريئة وفقط، وهذا لن يكون كافيا لأن يبقى انسان آخر الزمان كانسان من سبقه في الزمن والفكرة والخطة ، لأن الحروب اليوم هي حروب مبادىء وقيم ووجود بالأخص، ولن تستطيع أي دولة أن توقف آلة الحرب ان هي بدأت في حصد الأهداف.
ان ما يحصل اليوم هو تنافس وترقب وتفكير لما يليه من المراحل الحياتية ، وأحيانا يتشتت البعض في مد أواصر الأخوة فيما بينهم وهم قريبون من بعضهم البعض لأنهم ألفوا العيش بمفهوم الأنانية التي فرقت أكثر مما جمعت ولربما سنكون مضطرين لعكس هذا المفهوم الى مرجعيته الأصلية من معنى التكافل والتضامن والتراحم،لأننا ببساطة صرنا نستيقظ على أرقام مفجعة لضحايا الحرب على غزة وهذا لن يكون خبرا عابرا بقدر ما سيكون خبرا مؤسفا وداعيا للوقوف على مضامينه العميقة بجد وتركيز.
ان أعتاب الحرية التي يريدها العالم اليوم هي حرية بأقل الخسائر كرغبة ومنظور استراتيجي، لكن بنود الحرب تقول عكس ذلك ، وعلى الدول و الشعوب العربية خاصة أن تستدرك ما فاتها من قيم ومبادئ في نسق التعاطي مع الحياة والمعطيات والدلائل قبل فوات الأوان ، لأن العدة الحقيقية للحروب هي عدة الأخلاق والايمان و التقوى وتليها عدة السلاح والخطة و الجندي في مكانه الصحيح.
فهل سنبقى نتأمل مشاهد الحرب على غزة وعلى أعتاب الحرية مطالب أخرى ضرورية معلقة أم أن من هم أصلا مستعدين لخوض غمارها يعرفون جيدا أن من سيكون على أعتاب الحرية هم رجال أقوياء أشداء تستدعيهم الضرورة فيلبون النداء وعلى البقية تشجيعهم و اللحاق بركبهم الشجاع؟.
سؤال تجيب عليه الأيام لأن أجندة الحرب هي غير أجندة الاقتصاد والسياسة والبناء.
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.