أخبار بلا حدود- في محاولة متجددة مني لإيجاد تعريف واضح ودقيق وشامل لكلمة إرهاب وجدت بعضا من الشروحات التي تحيط بالإرهاب كآلية أو وسيلة أو هدف أو مطية ،سوى ما تم شرحه في نماذج بحثية أو مقالات شرحا لغويا وقانونيا ،وقد تجاوز بنا الزمن أن نسلك نفس المنهجية في خوض مواضيع حساسة ومهمة في نفس الوقت بدء بمعرفة معاني المصطلحات وما تحمله من دلالات ..
ويمكنني الاستدلال بتعريف للأستاذ محمد عبد المحسن سعدون في بحثه الموسوم بـ:
مفهوم الإرهاب وتجريمه في التشريعات الجنائية الوطنية والدولية والذي نُشر في المجلة الأكاديمية العلمية العراقية نقلا عن محمود شريف بسيوني الذي قدم تعريفا للإرهاب أخذت به الأمم المتحدة في لجنة الخبراء التي عقدت في فيينا عام 1988،وكان مفاده (الإرهاب استراتيجية تتسم بعنف دولي الطابع، تدفعها أيديولوجية صممت لإدخال الرعب في فئة من مجتمع ما لتحقيق مكاسب سلطوية أو دعائية لحق أو ضرر ، بصرف النظر عن الجهة المستفيدة ، سواء كان المنفذون يعملون لمصلحتهم أو مصلحة غيرهم. ويلاحظ أن التعريف هنا جاء بالنظر الى الدوافع الإرهابية (أنظر البحث في المجلة المذكورة آنفا ،ص 136).
ويذكر في الصفحة الموالية أن الخلاف تعمق حول مفهوم الإرهاب وتجريمه بسبب الخلافات والتناقضات السياسية والعقائدية التي كانت سائدة بين المعسكرين الشرقي والغربي آنذاك، وقد اتجهت المحاولات السياسية اتجاها آخر بالبحث عن التمييز بين إرهاب مشروع وآخر غير مشروع ، وربما في هذا التمييز تكمن ضالة الباحث والكاتب على السواء في سبب وجود ظاهرة الإرهاب ودوافعه وأهدافه الحقيقية، وهو ما يتضح أكثر كلما تمت مراجعة توصيات الأمم المتحدة إزاء النزاعات والخلافات الدولية التي كانت تتماطل في تسليط العقوبات الردعية على الدول المتعدية والمتذرعة بمحاربة الإرهاب لاحتلال دول وبين من كان السباق في شن الاعتداء بدعوى حماية الحدود والممتلكات، وربما هذا ما كتبه الّأستاذ في بحثه من أنه لا توجد اتفاقية موحدة لتعريف الإرهاب أو الأعمال الإرهابية بصفة عامة، ما يددفعنا للبحث أكثر عن هذه المعلومة في مراجع أخرى ، منها مرجع ممارسات مجلس الأمن فيما يخص القسم الخاص بالبنود المتعلقة بالإرهاب (التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان بسبب الأعمال الإرهابية) ، حيث تضمن المقــرر المــؤرخ ١٢أيلول/ســبتمبر 2001 (الجلسة 4370، القرار 1368 ) فيما يخص الاعتداء الإرهابي الذي تم في الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ سبتمبر 2001،أين تدخلت الصين في جلسة مجلس الأمن رافضة هذا الهجوم ومصرحا ممثلها على ضرورة تعزيز التعاون فيما بين الدول الأعضاء من خلال التنفيذ العملي للاتفاقيات الدولية ذات الصلة لمناهضة الإرهابيين، وهو ما يناقض عدم وجود اتفاقيات عمل وتعاون فيما بين الدول، ماعدا ما ورد من قرار انفرادي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية في القرار رقم 1368/2001 أنه سيكون ثمة رد من جانبها.
وبالعودة الى بعض المراجع التي ذكرت بعض الاتفاقيات العربية فيما يخص مكافحة الإرهاب نجدها تركز على عملية التمويل لارتكاب الأعمال الاجرامية المصنفة أعمالا إرهابية مثل ما ورد في الاتفاقيات الإقليمية الثلاث لمكافحة الإرهاب التي ارتبطت بها دول مجلس التعاون الخليجي والأمثلة عديدة لكنها تصب في خانة تصنيف الأعمال الاجرامية التي تتم بتمويل بغرض تحقيق الأهداف الإرهابية، وكأن تعريف الإرهاب هنا مرتبط بعملية الدعم المالي وصولا الى الأهداف في غياب حقيقي لتعريف الإرهاب كجريمة وكفعل غير مشروع.
ما يعني أن طريقة التعاطي مع موضوع الإرهاب يفتح المجال لمناقشه الأعمال التي توصف بالإرهابية وتكييفها تكييفا يسقط الحجة على من قام بها، وهنا يكون فيه غموض وعدم تحديد للعناصر الإرهابية الحقيقية التي تتبنى هكذا أفعال، مما يجعل العمل الإرهابي بمنظور الجريمة المفتعلة يأخذ له أنواع عديدة من المسميات: كالإرهاب الإداري والإرهاب الالكتروني على سبيل المثال لا الحصر، وهذا الأخير هو موضوع حديثنا حيث سيتم الربط بين المقدمة وبين الهدف من هذا النوع من الإرهاب في ضرب المنظومة القيمية للمجتمعات رغم اتخاذ الدول التدابير الاحترازية لمواجهته والحد من تفاقم مخاطره في تفتيت النسيج المجتمعي والذي هو أساس متانة وقوة الأمم داخليا وخارجيا، وفي تعريف للدكتورة سليماني مباركة في بحثها الموسوم ب:
الإرهاب الالكتروني وطرق مكافحته ، ذكرت أن محاولة تأصيل ظاهرة الإرهاب الالكتروني والبحث عن جذورها الأولى يعود الى نهايات القرن الماضي خاصة بعد بروز فكرة حرب المعلومات التي ظهرت أولا في الميدان العسكري لتنتقل بسرعة الى المجال الأمني نتيجة التزايد المضطر لشيوع استخدام النظم المعلوماتية المفتوحة لتأسيس البنى التحتية للدول ، ثم بينت الدكتورة تعريفا للإرهاب الالكتروني على أنه (العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا باستخدام الوسائل الالكترونية الصادرة عن الدول أو الجماعات أو الأفراد على الانسان : دينه ، أو نفسه ،أو عرضه ،أو عقله أو ماله بغير حق بشتى أصناف وصور الافساد في الأرض(هذا التعريف نقلته الدكتورة من مرجع ذياب موسى البدانية : الإرهاب المعلوماتي ، التعريف، المفهوم، المجالات، النتائج، ص 9).
كحوصلة عامة لهذا الموضوع في شقه الأخلاقي ، يمكن ربط عملية الافساد على الانسان باستخدام هذه الوسائل الالكترونية بمثابة حرب قد تكون مباشرة وقد تكون بوكالة بالاعتماد على منفذين بارعين في استعمال التقنية والتواجد بكثافة في عملية رصد ضحاياهم، فهذا النوع من الإرهاب الذي واكبته الدول بعملية رصد مضادة من خلال شرطة الكترونية تتابع هذه الأنشطة عن قرب لمعرفة الفاعلين والأهداف المراد تحقيقها، وما يسهل سرعة الوصول الى الشرائح المستهدفة سواء أطفال أو بالغين بالأخص في تحقيق الأهداف المرجوة انما جاء بناء على إمكانية التحكم عن بعد وبرمجة العقول بأخبار واشاعات تنتشر بسرعة بسبب المساحة التي يسيطر عليها الانترنت في حياة مستخدميه ، ما يجعل الارتباك والشك والمتابعة بالفضول والتطفل يحول مجرى الاهتمام من مواضيع هادفة وذات قيمة الى مواضيع مضللة وضاربة بهالة القيم نحو الانحلال البطيء والتدريجي من خلال ما يسمى بظاهرة الاععتياد على المتابعة وحتى تصديق الوقائع ، خاصة اذا ارتبطت بالصور والتواريخ والأماكن والأحداث ، وهو ما من شأنه أن يخلق لدى ضحايا هذ النوع من الإرهاب سهولة الانقياد والاستهداف فيحدث ما يسمى الاختراق السريع بعد معرفة بعض المعلومات اللصيقة بالشخص المستهدف ومن ثم تأطير هذا النوع من الاجرام ليكون منظما من خلال جماعات تبدي ظاهرا من السلوك في برامجها الاحتيالية لكسب الثقة وتصديق ما تنشره وهي في حقيقتها مبرمجة على ضرب القيم الأخلاقية بنوع من الاحترافية بحيث لا يكون هناك تشكيك أو سوء ظن للأعمال الاجرامية المنظمة والتي تتخذ من الحواسيب و الشبكة العنكبوتية مسرحا لجرائمها، وهو ما يوضح الدافع الحقيقي لهذا النوع من الإرهاب الذي لا يكون في بداياته مكشوف الخطة ولا السياسة المتبعة الا مع مرور الوقت.
وما يمكن اقتراحه كآليات لمكافحة هذا النوع من الإرهاب والذي كما وضحنا سابقا أن تعريفه غير واضح وضوح الفهم والاستيعاب، يمكن مقارنة الفعل الاجرامي بما يمر به العالم من تطورات وما تسعى اليه الدول في برامج تطوير أنظمتها الوقائية لمكافحة الجريمة المنظمة الكترونيا خاصة فيما بين الدول التي بينها صراعات لم تخرج للعلن بشكل جيد فيتم اتباع هذا الأسلوب من الاجرام للتخفي وراء أسماء مستعارة وصور وهمية وهو ما يزيد في تعقيد هذا النشاط الاجرامي في ظل غياب القوانين المنظمة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي التي يفترض على كل دولة تبني سياسة علاجية ومنظمة لهذا الاستخدام الالكتروني، وبالتالي سن قانون خاص باستخدام هذه المنصات بات ضروريا مع تحيين العقوبات بحسب درجة الخطورة التي بإمكانها المساس بالمنظومة المجتمعية، ويمكن فيما بعد التفكير في ادراجها ضمن نشاط مكافحة الجريمة الإرهابية المنظمة أو ضمن سياسات توجيهية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، كما يمكن تنظيم استخدام التواصل الصوتي من خلال المحادثات الدولية التي تسعى بعض الدول المتقدمة الى التركيز على البصمة الصوتية كمؤشر للوصول الى الأشخاص المستهدفين والذين غالبيتهم لهم مناصب أو أنشطة مهمة في مجتمعاتهم، خاصة وأن عمليات الاختراق الالكتروني باتت سهلة من خلال عمليات التشفير أو برامج فايروسية تمس بالخصوصية الفردية من خلال الحصول على الصور أو الفيديوهات الشخصية للأفراد وبالتالي ممارسة جرائم أخرى يكون لها التأثير الكبير في حياتهم كالابتزاز والتشهير وعمليات المراقبة عن بعد لحياتهم اليومية في ظل عالم يشهد حروبا متقدمة للجيل الرابع والخامس ،بانتظار ما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي من إضافات جديدة في مجال الإستخدام الالكتروني والتي تخشى فيه بعض الدول النامية أن يكون له جانب من التداعيات السلبية التي تمس بالمنظومة الأخلاقية بصفة عامة.
كما يمكن وكآلية مهمة لمكافحة الإرهاب الالكتروني الوقاية من الهجمات السيبرانية المسبقة بتحصين الشبكات ووضع احتياطي في البرمجة الاتصالية مع حماية الفئات الهشة في المجتمع كفئة الأطفال والشباب بمتابعة الصفحات المفتوحة على الفيس بوك وكذا مراقبة مكثفة في أزمنة تختارها المجموعات الاجرامية لرفع مستوى اجرامها الموجه لدولة ما خاصة للدول التي وضعت رزنامة عمل جديدة لهياكلها وبناها التحتية ،والبدء دائما في ضرب مصداقية هذه الدول هو ضرب نسيجها الاجتماعي وبالتحديد محاولة المساس بالمنظومة القيمية التي هي أساس تماسك وتوحد مختلف فئات الشعب، ما يعني أن تقنين القوانين الخاصة بالمعالجة الآلية للمعلومات أو لمكافحة الجرائم السيبرانية تبقى منظومة تشريعية دفاعية تأتي بعد الوقاية الاستباقية ومن ثم تليها آليات أخرى في متابعة نشاط المجموعات الاجرامية على الأنترنت والحصول على معلومات دقيقة لجنسياتها ومكان تواجدها، كما يجب وفي الجهة المقابلة على حكومات الدول المعرضة للإرهاب الالكتروني وبالأخص أفراد المجتمع التحلي باليقظة والحذر في تعاملاتهم التواصلية اليومية عبر الأنترنت والتبليغ عن أي خلل يلاحظونه يشكل تهديدا حقيقيا لخصوصيتهم الفرديةّ، حتى تتمكن الجهات الأمنية من المتابعة ووضعع صفحات المشتبه فيهم قيد المتابعة والرصد ، وبقدر التحلي بالانضباط الأخلاقي الذي يستمد قواعده من ملازمة التحصن الديني بقدر ما تكون هناك مناعة جاهزة متمثلة في الوعي والفهم المسبق لكل ما من شأنه أن يلحق ضرر أو مساس بكرامة الأشخاص التي لها علاقة وطيدة بمرجعية القيم وكذا ضرورة المحافظة على الثبات عليها في مواجهة هذا الخطر المتنوع الأساليب والبرامج.
إذا كنت تعتقد بأنه قد تم نسخ عملك بطريقة تشكل انتهاكاً لحقوق التأليف والنشر، يرجى إتصال بنا عبر نموذج حقوق النشر.