منذ زيارة الرئيس، عبد المجيد تبون، إلى الصين والإعلان عن استثمارات صينية في الجزائر بقيمة 36 مليار دولار، لم يهدأ بال النظام المغربي بحثا عن “فبركة” يحاول من خلالها استقطاب استثمارات أجنبية وعلى رأسها الصينية، حتى يوهم الرأي العام في بلاده أن الصين تستثمر في المغرب على حساب حليفتها الجزائر، من جهة، كما أن المملكة العلوية تبقى المقصد الأول للاستثمار الأجنبي في المنطقة المغاربية، من جهة أخرى.
هوس النظام المغربي بالدعاية السوداء أوقعه في فضيحة مدوية، كان بطلها مركز الاستثمار، ومفاد هذه الفضيحة قيام شركة “هوايو” الصينية، باستثمار 200 مليار درهم، (حوالي 20 مليار دولار)، في صناعة البطاريات بالأراضي الصحراوية المحتلة، وبلغة فاقت حدود الدعاية السوداء، زعم المركز أن هذا الاستثمار سيُغطي حاجيات السوق الأوروبية والأمريكية (!!!).
البُعد الأساسي في ترويج هذه الدعاية، هو الإيهام بأن الصين تدعّم السيادة المزعومة للنظام المغربي على الأراضي الصحراوية المحتلة، أما البُعد الاقتصادي، فيبقى غائبا، لأن هذا الخبر لا يمكن أن يصدقه حتى الإنسان الأخرق، وهذا هو ديدان الدعاية المغربية، التي تخاطب الرأي العام على أنه قطيع لا يُعمّل عقله.
الغريب في الأمر، هو أن البيان، وبعدما تداولته مختلف الصحف والمواقع المغربية المعروفة بتبعيتها للنظام المغربي بالكثير من الإشادة والافتخار، وعلى رأسها موقع “لو 360″، الذي يملكه سكرتير العاهل محمد السادس، خرج مركز الاستثمار ليعلن عن سحب البيان الذي يتحدث عن الاستثمارات الصينية في الأراضي الصحراوية المحتلة.
ووفق مصادر على علاقة بهذا الملف، فإن السفارة الصينية في المملكة المغربية، تدخلت بقوة لدى الرباط من أجل تفنيد هذا الخبر الكاذب، لأن خبرا من هذا القبيل، لو كان صحيحا، سيؤدي إلى أزمة مع الجزائر، وربما كان هذا هو الهدف من نشر هذا الخبر المكذوب. وذهبت بعض الصحف والمواقع، ومن بينها “برلمان”، إلى الخوض في الدلالات السياسية للمشروع، والسياسة في المملكة العلوية عادة ما تتعلق بالصحراء الغربية، فقد سارع الموقع إلى وصف ما حدث بأنه “خطوة تحمل اعترافا ضمنيا من بيكين” بالسيادة المزعومة للنظام المغربي على الأراضي الصحراوية المحتلة.
والمثير في المسألة هو أن الدعاية المغربية أصبحت تنجز أيضا عبر وسائل الإعلام الصهيونية، فقد تلقف بدوره، موقع “i24news”، الذي يملك مكتبين في كل من الرباط والدار البيضاء وراح يروّج مكانا لخبر مكذوب، ما يؤكد أن التطبيع المغربي، الصهيوني بلغ أشواطا جد متقدمة، وأصبح يهدّد كيان المملكة العلوية.
وتزامن ترويج الخبر المكذوب عن الاستثمار الصيني الوهمي في المملكة المغربية، وإعلان المجمع الماليزي “ليون” استثمار 6 ملايير دولار في الجزائر. وقبل ذلك، أعقب إعلان الجزائر والصين استثمارات صينية في الجزائر بقيمة 36 مليار دولار، خلال زيارة الرئيس تبون إلى بكين قبل نحو شهر، خبرا آخر مكذوب غصت به مواقع إعلامية مغربية، (على رأسها موقع “لو 360”)، مفاده أن شركة “أوبلين” البريطانية، قررت استثمار 100 مليار دولار في الصحراء الغربية المحتلة، والخبر متاح للاطلاع على الأنترنت. ما يعني أن النظام المغربي استهدف “خبطة” إعلامية، ليس من هدف لها سوى معاكسة تحول الجزائر إلى مركز استثمار في المنطقة المغاربية، وهو أخشى ما يخشاه النظام المغربي.
القضية تحولت إلى فضيحة في المملكة العلوية، بل ارتدت عليها، بحيث ارتفعت الأصوات مطالبة بالكشف عن الأرقام الحقيقية للاستثمارات الأجنبية في المغرب، ومشكّكة في الأرقام التي تصدر عن المركز المغربي للاستثمار، لاسيما وأن أكبر مشروع استثماري أجنبي في المغرب لا يتعدى الـ1.1 مليار أورو، وهو المتمثل في “رونو نيسان”، ما يؤكد بأن الأرقام الفلكية التي تتحدث عنها الصحافة المغربية من حين إلى آخر تحت الطلب، هي مجرد أوهام.
مسؤول الملف السياسي بجريدة الشروق