أخبار بلا حدود – كشف تسريب هائل لبيانات عشرات آلاف العملاء في أحد أكبر البنوك الخاصة في العالم، وأحد أشهر المؤسسات المالية في سويسرا، عن مليارات الدولارات التي خبأها مسؤولون مرموقون ورجال أعمال عرب، ومنهم وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار.
وأظهر التسريب معلومات تفصيلية عن أكثر من 18 ألف “حساب نشط” تضم مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار لرؤساء دول ورجال أعمال وقيادات استخبارية وشخصيات بارزة.
وتشمل البيانات المسربة أسماء الرؤساء والعائلات المالكة والوزراء ورجال مخابرات، ورجال الأعمال الذين تربطهم علاقات وثيقة.
ومن بين الأسماء المذكورة في التسريبات، وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار، بحساب له بمليوني فرنك سويسري، ظل مفتوحا حتى 2013، أي بعد عامين من اعتقاله في سويسرا بعد شكوى ضده من مواطنين جزائريين بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب.
وكان سجل نزار في انتهاكات حقوق الإنسان معروفا عندما فتح حسابه في البنك عام 2004، واحتوى على مليوني فرنك فرنسي (900 ألف جنيه إسترليني) وظل مفتوحا حتى عام 2013. وينفي ارتكابه أي أخطاء والتحقيقات مستمرة معه.
ولو اشتكى الجزائريون بأن “كريدي سويس” ساعد القادة الخبثاء إلا أن مظالمهم تتقاصر أمام ما فعله البنك مع الساسة في فنزويلا.
وهذه الحسابات، التي تقدم لمحة عن الثروة التي كانت تمتلكها النخب العربية في الخارج في العقد الذي سبق الانتفاضة، بلغت قيمتها مجتمعة ما لا يقل عن مليار دولار، محتفظ بها في بنك سويسري واحد فقط.
وبشكل عام، تشير البيانات إلى أن بنك “كريدي سويس” لعب دورا مهما لسنوات في مساعدة الشخصيات العربية الرئيسية على إخفاء ثرواتهم، حتى عندما تم اتهامهم وحكوماتهم بالمساومة على منطقة بأكملها من خلال الرشوة والاختلاس والمحسوبية، في احتجاجات الربيع العربي.
وعادت قضية نزار إلى الواجهة قبل نحو أسبوعين، حيث أفادت تقارير إعلامية، أن نزار مثل أمام النيابة العامة للاتحاد في سويسرا في الفترة من 2 إلى 4 فيفري الجاري، في إطار الإجراءات الجنائية التي بدأت ضده منذ أكتوبر 2011.
وذكرت منظمة تريال (trial) الحقوقية السويسرية في بيان لها أن النيابة العامة للاتحاد الفيدرالي السويسري اتهمت الجنرال الجزائري خالد نزار بالتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في الانتهاكات التي ارتكبت بين 14 جانفي 1992 و31 جانفي 1994 أثناء العشرية السوداء.
وذكرت المنظمة أن النيابة العامة استمعت الأسبوع الماضي مجددا للجنرال خالد نزار لمدة ثلاثة أيام في مقر مكتب المدعي العام الاتحادي في بيرن وقررت مقاضاته.
ومن جانبهم قال محامو خالد نزار في بيان نشر على موقع ألجيري باتريوتيك المملوك لنجله لطفي، أن خالد نزار بشدة في هذه الاتهامات التي تستند، حسبه، بشكل أساسي على تصريحات أصحاب الشكوى وعناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، بالإضافة إلى مصادر لا يمكن التحقق منها، وفقا لذات المصدر.
وأشار البيان، أن الجنرال خالد نزار طالب بمواجهة المدعي الوحيد الذي يتهمه بإساءة معاملته شخصيًا، والذي، رغم استدعائه، لم يحضر أبدًا في أي جلسة، حسب ما ورد في البيان.
وأوضح نفس المصدر، أنه في نهاية جلسة الاستماع، غادر الجنرال نزار مقر النيابة العامة للاتحاد، رغم طلب المشتكيين بسجنه.
وأتم البيان، أنه في نهاية التحقيق، سيعود الأمر إلى المدعي العام للاتحاد لاتخاذ قرار بشأن تأجيل محتمل للحكم.
جدير بالذكر أن متاعب نزار مع القضاء لم تبدأ منذ فترة قصيرة، فقد سبق أن حاول القضاء الفرنسي توقيفه سنة 2001، وقد غادر الجنرال التراب الفرنسي على عجل بعد أن أبلغ أن هناك مذكرة توقيف ضده بتهمة التعذيب.
ورغم أن علاقاته مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لم تكن جيدة آنذاك، إلا أن السلطات الجزائرية ارسلت طائرة خاصة إلى باريس لتمكين نزار من مغادرة التراب الفرنسي من دون أن يتم توقيفه.
لكن ما تم تفاديه سنة 2001 وقع سنة 2011 عندما تم توقيف الجنرال نزار بسويسرا، قال آنذاك إنه ذهب للعلاج في أحد مستشفياتها، لكنه قبل أيام أكد أنه مقيم في سويسرا منذ سبع سنوات وأن لديه أعمالاً هناك، وبعد استجواب خضع له لمدة تجاوزت العشر ساعات فيما يخص تهمة التعذيب التي تقدمت بها مجموعة من الأشخاص كانوا ينتمون إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، على رأسهم مصطفى دعدي، تم الإفراج عنه، لكن التحقيق في القضية تواصل إلى غاية 2019، عندما قرر القضاء حفظ القضية، لكن الذين رفعوا دعوى ضده استأنفوا الحكم أمام المحكمة الفيدرالية.
ويعتبر خالد نزار واحدا من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في الجزائر، وهو رابع رئيس أركان الجيش الجزائري، ويلقب بالرجل القوي في النظام الجزائري خلال الفترة بين 1990 و1993.
و يعتبر البعض أنه أنقذ الجمهورية من الوقوع في براثن التطرف، وحال دون تحول الجزائر إلى أفغانستان (في نسخة طالبان).
غير أن قطاع واسع من الشعب الجزائري يراه انقلابيا ضد الإرادة الشعبية، وأنه مسؤول عن الأرواح التي سقطت والتجاوزات التي وقعت خلال تلك الفترة.
ليبقى الجدل قائما حول الجنرال نزار، الذي كان أقوى رجل في النظام الجزائري خلال النصف الأول من التسعينيات، قبل أن ينسحب تدريجيا من المشهد، وخفت تأثيره وتراجع ظله، لكنه يبقى الوحيد بين كل المسؤولين عن تلك الفترة الذي يتحدث صراحة عن دوره وعما جرى، والوحيد الذي أصدر مذكراته بين مجموعة الجنرالات الذين كانوا يوصفون بـ « أصحاب القرار».