أخبار بلا حدود- تنظر أوساط سياسية فرنسية إلى الجزائر على أنها جزء من موجة العداء التي تستهدف ضرب المصالح الفرنسية في القارة الإفريقية، والتي تعيش واحدة من أحلك فتراتها في تاريخ فرنسا الحديث، ويستدلون على ذلك بالمصير المجهول للزيارة المرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون، إلى باريس.
وطالبت عريضة وقع عليها 94 سيناتورا فرنسيا، رئيس بلادهم إيمانويل ماكرون، بضرورة إعادة النظر في سياسته تجاه القارة الإفريقية، التي تشهد صحوة غير مسبوقة تستهدف الوجود الفرنسي في مستعمراته السابقة، والتي بدأت كما هو معلوم بطرد الجنود الفرنسيين من جمهورية إفريقيا الوسطى، تلتها مالي، ثم بوركينا فاسو وأخيرا دولة النيجر، بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد بازوم، الذي يعتبر آخر رؤساء منطقة الساحل موالاة لباريس.
وبادر بهذه العريضة كل من روجي كروتشي، النائب الأول لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي المسؤول عن العلاقات الدولية، وبرونو روتايو، رئيس مجموعة حزب “الجمهوريون” اليميني، في مجلس الشيوخ، وكريستيان كامبون، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بمجلس الشيوخ الفرنسي، ووقع عليها أكثر من تسعين عضوا في الغرفة العليا للبرلمان الفرنسي.
وينتسب حزب “الجمهوريون”، إلى اليمين التقليدي، وقد سبق وترأسه الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي المدان بالسجن النافذ في قضايا فساد عديدة، أما رئيسه الحالي، فهو إيريك سيوتي، الذي زار المملكة المغربية في شهر ماي المنصرم، ومن هناك دعا رئيس بلاده ماكرون إلى الاعتراف بالسيادة المزعومة للنظام المغربي على الأراضي الصحراوية المحتلة.
ورغم أن العريضة تستهدف وقف نزيف النفوذ الفرنسي في إفريقيا انطلاقا من التطورات التي تشهدها منطقة الساحل، إلا أن الجزائر أُقحمت فيها بشكل يطرح أكثر من تساؤل، فيما قُدم النظام المغربي على أنه ضحية سياسات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المحابية للجزائر على حد زعم موقعي العريضة.
تقول العريضة في المقطع المتعلق بالجزائر: “في شمال إفريقيا، يا لها من خيبات أمل هناك أيضا. الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وصل إلى السلطة في ظل ظروف صعبة بسبب “الحراك”، ينفخ بالحرارة والبرودة، ويتحدث من حين إلى آخر عن التقارب وعن زيارة رسمية (لم يتم جدولتها بعد) وأحيانًا أخرى، عن فرنسا “الشيطان الأكبر” المسؤول عن كل شرور الجزائريين. هذا التأرجح دفع العديد من المسؤولين الفرنسيين إلى التشكيك في اتفاقية 1968، التي لم يعد لها أي معنى”.
وكعادة اليمين الفرنسي، فقد لعب أعضاء مجلس الشيوخ الموقعون على العريضة دور منظف النفايات عند أبواب النظام المغربي، وجاء في العريضة: “في المغرب، دفعت المماطلة الفرنسية بشأن الصحراء الغربية (على العكس من إسبانيا وألمانيا) وسياسة المشي على الحبال المشدودة من قبل الكيدروسي (الخارجية الفرنسية) مع الجزائر، القصر الملكي للبحث في مكان آخر، عن الشركاء العسكريين أو الاقتصاديين في باريس”.
ورغم وجود العلاقات المغربية الفرنسية في أزمة لم تعد صامتة، تجلت من خلال الإهانة التي وجهها ماكرون للعاهل المغربي، محمد السادس، بسبب تجسس المخابرات المغربية على هاتفه (الرئيس الفرنسي)، فيما عرف بفضيحة “بيغاسوس”، كما جاء على لسان الطاهر بن جلون، كاتب البلاط الملكي في الرباط، إلا أن اليمين الفرنسي هاجم رئيس بلاده ودافع عن النظام المغربي، في مشهد أعاد للواجهة فضيحة شراء ذمم النواب الأوروبيين من قبل الرباط بالمال الفاسد، استنادا إلى العدالة البلجيكية، التي سجنت العديد منهم وتترصد الطريق لرجال مخابرات ودبلوماسيين مغربيين بمذكرات جلب للمحاكمة.
ويمكن تلمس البصمة المغربية في العريضة البرلمانية الفرنسية، من خلال تتبع علاقات وارتباطات أصحاب المبادرة بالنظام المغربي الذي أصبح مارقا في منظور لوائح البرلمان الأوروبي منذ مطلع العام الجاري. فروجي كاروتشي، هو يهودي فرنسي من أصل مغربي ولد في الدار البيضاء في 26 أوت 1951، ومعروف بدفاعه عن النظام المغربي.
أما كريستيان كامبون فهو يشكل نسخة أخرى من النائب الأوروبي الإيطالي، بيار أنطونيو بانزيري، الذي سجن بسبب تورطه في فضيحة فساد سياسي فيما يعرف بـ”ماروك غيت” رفقة سفير المغرب في بولندا، عبد الرحيم عثمون، ورجال مخابرات مغربيين آخرين، معروف بدفاعه المستميت عن المصالح المغربية في فرنسا، ويرأس المجموعة البرلمانية للصداقة الفرنسية المغربية، ويروج بشكل مثير للشبهات، مخطط الحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
وتحدثت العريضة عن الخروج المذل للقوات والشركات الفرنسية من مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وحلول مجموعة فاغنر، وعبر الموقعون عن مخاوفهم من “تنامي الأعمال المناهضة للفرنسيين حتى في البلدان المعروفة بأنها قريبة منا، مثل كوت ديفوار أو السنغال”، الأمر الذي فسح المجال أمام خصوم باريس كي يحلوا محلها، عسكريا مثل روسيا، واقتصاديا كما هو الحال بالنسبة للصين، ودبلوماسيا بالنسبة لأمريكا.
وتعتبر الجزائر من أشد المعارضين للتدخل العسكري في النيجر، عكس الرغبة الفرنسية التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة دفع المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، للقيام بعمل عسكري ضد الانقلابيين، بهدف الحفاظ على ما تبقى من نفوذها في القارة السمراء.
الإنقلاب في النيجر: تداعياته وتأثيره على منطقة الساحل والهجرة غير الشرعية
مسؤول الملف السياسي بجريدة الشروق