نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية، تقريرا مطولا تحدثت فيه عن المبادرة التي أطلقها رئيس الجزائري عبد المجيد تبون “لم الشمل”.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى ما وصفتها “بالرسالة الغريبة” التي نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية يوم الثالث من شهر مايو الجاري، تحت عنوان “عبد المجيد تبّون، رئيس جامع للشمل” وفي مضمونها أن “السيد عبد المجيد تبّون، وهو رئيس لطالما اهتم بالنّقاش السائد في المجتمع، ويده ممدودة للجميع بشكل دائم، باستثناء أولئك الذين أداروا ظهورهم لوطنهم، كما أنه ليس من دعاة التفرقة.. ويجب أن يعلم أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى، أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها لفتح صفحة جديدة”.
واعتبرت “لوبوان” أن استخدام تعبير “اليد الممدودة” ليس جديدا على الجهاز الخطابي الرئاسي في الجزائر. فخلال خطابه الافتتاحي بعد انتخابه في شهر ديسمبر عام 2019، استخدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون هذا التعبير عند مخاطبته الحراك الشعبي، الذي ولد في فبراير عام 2019 ضد فترة رئاسية خامسة للرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، واستمر الحراك في مظاهراته بعد سقوط الرئيس السابق وعارض الانتخابات الرئاسية وشخص تبون.
وسرعان ما فَسّر مراقبون هذه “اليد الممدودة” التي تم إطلاقها في مناخ من الشلل السياسي، على أنها تعبير عن مبادرة سياسية جديدة تجاه المعارضة بأكملها، قانونية أم لا، في الجزائر أو في الخارج.
تسارعت التكهنات حول هذه المبادرة الجديدة المحتملة، لا سيما بعد أن أعاد الشخصية الثانية في الدولة، رئيس مجلس الأمة، صلاح قوجيل، في الخامس من شهر مايو الجاري، معلناً أن “يد الرئيس تبون ممدودة بشكل دائم إلى الجميع”.
وثمة رسالة ثالثة بالكاد لا شعورية وموقّعة هذه المرة من قبل الرئيس تبّون نفسه، الذي دعا في رسالته للجزائريين يوم السابع من شهر مايو الجاري بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 مايو 1945، دعا إلى “رصِّ الصفوف” وإلى “جبهة داخلية موحدة”.
وتابعت “لوبوان” التوضيح أن الأحزاب الحكومية كانت أول من تفاعل بحماس مع هذه “اليد الممدودة”، وهي الأحزاب التي كانت تؤيد بوتفليقة (جبهة التحرير الوطني)، (التجمع الوطني الديمقراطي)، ( تجمع أمل الجزائر).
ومن جانب المعارضة، فقد اعتبرت رئيسة الاتحاد من أجل التغيير والتقدم، زبيدة عسول أن “اليد الممدودة كما أعلن رئيس الدولة يجب أن تجد ترجمتها الفعالة من خلال إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي”، في إشارة إلى الأشخاص الموقوفين في أعقاب الحراك، و/ أو بسبب منشوراتهم على الشبكات الاجتماعية.
بالنسبة لهذه المحامية وحزبها الذي يقبع تحت ضغط إداري وقضائي من السلطات، فإن مثل هذه المبادرة لن تجد معناها إلا في “فتح المجالات السياسية والنقابية والإعلامية المنصوص عليها في القانون الأساسي للبلاد”.
وأشارت “لوبوان” إلى أن مصادر أخرى، لا سيما في وسائل إعلام دولية ناطقة باللغة العربية، أكدت أن مبادرة تبون كانت تستهدف المنشقين والمعارضين الآخرين في المنفى، مما يعرض نوعا من اتفاق السادة: أوقفوا الهجمات الإعلامية ضد النظام (الجيش والأجهزة الأمنية) للاستفادة من جواز مرور والعودة إلى البلاد.
وتنقل المجلة عن مصدر وصفته بالمطلع على الأمر، قوله: “لا أرى كيف يمكن للكيانات والأشخاص الذين يصفهم القانون الجزائري بأنهم إرهابيون أن يستفيدوا من أي شيء”.
وترى مصادر أخرى أن مبادرة “اليد الممدودة” تندرج في إطار مناسبة التوحيد الكبرى للاحتفال بالذكرى الستين للاستقلال، وتتعلق “بإطلاق سراح العشرات من معتقلي الرأي”. وتؤكد المصادر نفسها أن “القضاة بصدد إعادة تصنيف التهم الموجهة إلى بعض النشطاء للسماح بالإفراج السريع عنهم”.
واعتبرت “لوبوان” أن سلسلة “المشاورات” التي افتتحت هذا الإثنين بين الرئيس تبون وقادة الأحزاب الممثلة في البرلمان، قد تعطي مضموناً آخر لهذه المبادرة الشهيرة. وتنقل المجلة عن قيادي حزبي قوله: “في مواجهة الجمود على جميع مستويات الحوكمة والتحديات الإقليمية والداخلية، لا سيما الاقتصادية مع ارتفاع التضخم، يريد الرئيس تخفيف الخناق من حوله لإطلاق تغييرات، بدءا بتعديل حكومي عميق”.
كما نقلت “لوبوان” عن مستشار اقتصادي جزائري قوله: “الوضع لا يطاق، فنحن ننتظر قانون الاستثمار الجديد منذ ما نحو عامين، وهناك قوانين أخرى معلقة، بينما الإصلاحات ملحة للغاية”. وأيضا نقلت المجلة عن رجل أعمال جزائري، تحذيره: “علينا تعزيز آلة الحكومة وتحويلها من خلال فتح المزيد من الحوار مع الأحزاب والنقابات وقادة الأعمال. وإلا فإن الركود سيزداد سوءا”.
وأشارت “لوبوان” إلى آخر بيان صحافي لحزب جيل جديد المعارض، والذي جاء فيه: “الضعف الواضح للحكومة التي تبدو منفصلة عن الرأي العام والقرارات المتناقضة والقمعية المتعددة في الإدارة الاقتصادية للبلاد يضعف معنويات المواطنين بشكل عام والأعمال التجارية على وجه الخصوص”.
فكل الأنظار تتجه نحو القصر الرئاسي في المُرادية: الرأي العام والطبقة السياسية سيتابعان استمرار “المشاورات” السياسية في انتظار إعلانات أكثر وضوحا وأقل تشفيرا.