أخبار بلا حدود- سجل فريق بحثي دولي، لأول مرة في تاريخ علم الفلك، حالة رصد ثلاثي متزامن لظاهرة هائلة تُعرف بـ “الانبعاث الكتلي الإكليلي” على سطح الشمس، هذا النوع من الأرصاد يمكن أن يسهم مستقبلا في تحقيق فهم أفضل لطبيعة تلك الظاهرة وربما حماية رواد الفضاء من أثرها.
وبحسب الدراسة، التي نشرها هذا الفريق قي دورية “جيوفيزيكال ريسيرش ليترز“، فقد التقط أثر هذه الظاهرة في كل من مركبة “إكسومارس” على سطح المريخ، التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، ومركبة “كيوريوسيتي” التابعة لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” تدفق الجسيمات النشطة.
أما على سطح القمر، فقد التقط أثر الظاهرة هذه الجسيمات بواسطة فريق المهمة التابع لإدارة الفضاء الوطنية الصينية “تشانغ-4″، ومركبة الاستطلاع المداري التابعة لناسا. وبالقرب من الأرض، اكتشف القمر الصناعي الأوروبي التابع لمركز الفضاء الألماني “إيو-كروبيس” الإشعاع الصادر عن نفس الظاهرة.
تتكون الشمس بالأساس من “البلازما”، وهي حالة للمادة تنفصل فيها إلكترونات الذرات عن أنويتها، مما يمنحها سمات مغناطيسية خاصة تنتج أشكالا لا نعهدها على الأرض، ومنها تلك الحلقات الهائلة ذات المنظر الآسر التي تسمى الوهج الشمسي، وهي ضخمة لدرجة أن الواحدة منها قد تسع أكثر من ثلاث كرات حجم كوكب الأرض.
في بعض الأحيان قد تنفجر واحدة من حلقات الوهج الشمسي مطلقة كما هائلا من الطاقة والمادة إلى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، يحدث ذلك في صورة نسميها “الانفجار الشمسي”، في أحيان أخرى يكون الانفجار أكثر قوة بفارق بكثير فيسمى “انبعاثا كتليا إكليليا”، ويصنع كل منهما ما نعرفه باسم الرياح الشمسية.
والرياح الشمسية هي اصطلاح مجازي يعبر عن تلك الكميات من المادة والطاقة التي تسافر من الشمس بسرعات هائلة وتصل إلى كواكب المجموعة الشمسية بما في ذلك الأرض، وتتفاعل مع أقطابها المغناطيسية لتصنع أحد أجمل الظواهر التي يمكن أن نراها، وهي “الشفق القطبي”.
ونظرًا لأن القمر لا يولد حقلا مغناطيسيا، فإن الجسيمات القادمة من الشمس يمكن أن تصل بسهولة إلى سطحه وتتفاعل مع التربة، في حين يتمتع المريخ بغلاف جوي رقيق يوقف معظم الجزيئات الشمسية منخفضة الطاقة ويبطئ الجسيمات عالية الطاقة.
وبحسب بيان صحفي صادر في الثاني من أوت 2023 من وكالة الفضاء الأوروبية المشاركة في الدراسة، فقد تؤدي جرعة إشعاعية تزيد عن 700 مليغراي (وحدة امتصاص الإشعاع) إلى إحداث اضطرابات مرضية في نخاع العظام، يمكن أن تؤدي إلى ظهور أعراض كالنزيف الداخلي. أما إذا تعرض رائد الفضاء لأكثر من 10 غرايات، فمن غير المرجح أن يبقى على قيد الحياة لأكثر من أسبوعين.
وحسب الدراسة، فإن أثر الانبعاث الكتلي الإكليلي المرصود على القمر بلغ حوالي 31 مليغرايا في مقابل 0.3 مليغراي فقط على المريخ، مما يعني أن هذه الضربة بشكل عام كانت آمنة بالنسبة لرواد الفضاء لو قدر أن بعضا منهم كان هناك.
لكن هذا لا يعني الأمان التام بحسب الدراسة، فقد التقطت هذه الإشعاعات في 2021، أما في 2023، فيبدو أن الشمس في طريقها لتصبح في ذروة نشاطها خلال الدورة الشمسية الحالية، الأمر الذي يرجح حدوث انبعاثات كتلية إكليلية أكبر وأقوى قد تولد إشعاعا في المنطقة الضارة طبيا، وعليه يمكن أن يكون خطيرا على رواد الفضاء غير المؤمّنين بدروع للإشعاع في بزاتهم أو مركباتهم.
ويعد هذا النوع من الأبحاث ضروريا في سياق مستقبل رحلات البشر للفضاء، وبشكل خاص المريخ والقمر.