الثوب الجديد للجريمة السيبرانية

الثوب الجديد للجريمة السيبرانية
 
  • الثوب الجديد للجريمة السيبرانية
  • سميرة بيطام

ربما تعود رجال القانون والمشرعين على المفهوم العام للجريمة السيبرانية كما يتفق البعض على تعريفها بمضمون واسع مثلما فعل المكتب الإقليمي للأمم المتحدة وعرفها على أنها “شكل متطور من أشكال الجريمة عبر الوطنية وأن تزايد ضلوع جماعات الجريمة المنظمة يزيد من تفاقم الطابع المعقد لها (أنظر موقع المكتب الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة على غوغل) ،أين يمكن لمجرمي الجريمة السيبرانية وضحاياهم أن يتواجدوا في أي مكان من العالم، مما يبرز الحاجة الى استجابة عاجلة وديناميكية دولية.

لكن لم يذكر المكتب الإقليمي للأمم المتحدة تفاصيل الجريمة السيبرانية وكيف يتم الحاق الضرر بالتشفير الآلي لبعض الصفحات الفيسبوكية والمواقع الالكترونية على سبيل المثال لوجه من أوجهها المتعددة ؟، ما يعني أن شيفرة الاختراق الالكتروني تبقى قيد الكتمان ،ربما لأن من يستفيدون من الجريمة السيبرانية لهم مطامع أمنية حصريا في تقييد الوعي الفكري أو في الحد من انتشار الصفحات التي ترتفع فيها أصوات الإشادة بالأنظمة الحكومية التي تبلي بلاء حسنا في تطوير القواعد الهيكلية لمؤسساتها وتحسين وتيرة الإصلاح لتحقيق برنامج الرئيس الموعود به بكل أريحية ،أو في تأديب وترويض وتقليص نسبة الآداء التضامني مع البرامج الحكومية خاصة وأن العالم برمته تقريبا يخوض حربا متنوعة الظاهر منها حرب روسية أوكرانية ومن والاهما من الحلفاء والخفي منها حرب قيم ومبادئ من أجل تجسيد مبدأ البقاء للأقوى، الأقوى أيديولوجيا خاصة.

فبالعودة للتشريع الجزائري المتضمن قانون المعالجة الآلية للمعطيات بموجب القانون 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 بعد إضفاء تعديلات بموجب القانون 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 موضحا فقط السلوك الاجرامي في اختراق المجال الالكتروني للمعطيات وذلك بالدخول والبقاء في جزء من المنظومة الآلية أو أغلبها دون توضيح لطريقة فك صمام الأمان في جهاز الحاسوب أو عبر البريد الالكتروني ما يعني أن التشريعات تتفادى الخوض في تفاصيل الجريمة السيبرانية فيما يتعلق بالفعل الغير مشروع وهذا في حد ذاته لا يستدعي قراءة أو متابعة لأن أي فعل لا يتوافق مع نصوص القانون والآداب العامة وخصوصيات الأفراد هو فعل غير مشروع حتى وصولا الى سن القانون 09-04 والذي لم يأتي بالجديد مقارنة بما ورد في تشريعات أجنبية ،اذ على النقيض من ذلك نجد مدى حرص الولايات المتحدة الأمريكية على الحفاظ على أمنها القومي وذلك من خلال ما اقترحه مجموعة مشرعين أميركيين كتشريع يمنع دخول الأجانب المتورطين في أعمال القرصنة أو الجرائم الإلكترونية ضد أمريكا ، ويسمح بتجميد ممتلكاتهم وأرصدتهم.

كما يدعو التشريع الجديد المسمى قانون محاسبة التجسس الاقتصادي الإلكتروني السلطات الأميركية إلى التحقيق في مزيد من قضايا التجسس الاقتصادي الإلكتروني التي ارتكبها أجانب بحق الولايات المتحدة.

ويسعى التشريع الجديد إلى منع حصول الأجانب المتورطين في جرائم إلكترونية على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، وإلغاء تأشيراتهم إذا كانوا مقيمين فيها، بالإضافة إلى تجميد ممتلكاتهم عند الطلب(أنظر موقع الجزيرة على غوغل مقال بعنوان مشروع قانون أمريكي ضد الجرائم الالكترونية )، ما يعني أن مآلات الجريمة الالكترونية تمس بالأمن القومي خاصة اذا تمت بإيعاز من جهة لها مصلحة في زرع البلبلة والفوضى في المنطقة مثل منطقة افريقيا واختراقات الجريمة المنظمة التي تعرفها مؤخرا .

للتذكير فان مشروع أمريكيا مشروع قديم من زمن الرئيس أوباما ما يعني أن التنبأ بالجريمة المنظمة كان بنظرة استباقية وهو ما دفع بأمريكا الى الاحتياط لأمنها القومي ،الى أن جاء وقت حكم دونالد ترامب الذي أمر ببناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة المكسيك وهذا من أجل منع العبور الغير قانوني من المكسيك الى الولايات المتحدة الأمريكية وهو نفس المنهج الذي انتهجته الجزائر مؤخرا في غلق جوها البري والجوي لأسباب أمنية ،لكن ماهي آليات الحماية من الجريمة السيبرانية التي لبست لها ثوبا جديدا يدخل في سياق ترويض الدول المتطلعة نحو التقدم مثل الجزائر؟ ثم ماهو هذا الثوب الجديد الذي ظهر مؤخرا ؟.

ربما لم تعد الجريم السيبرانية الممهدة للجريمة المنظمة تأخذ لها طابعا تقليديا كما هو معروف في مجرد عملية اختراق للحصول على المعلومات الخاصة بالأفراد وفقط ،بل تطور الأمر الى السيطرة على مجريات الأمور والأحداث والحياة الخاصة لمن هم مطلوبون على قائمة البحث ربما حصريا لشعب أو لفئة أو لقبيلة أو لقرية ..أو ربما لعائلة.

المهم أن الثوب الجديد للجريمة السيبرانية هو التجسس بأدق ما للكلمة من ركائز تقنية وفنية وتكنولوجية ليس فقط للحصول على رقم الهاتف بل وأيضا معرفة تحركات الأفراد المتابعين والذي قد يكونون ذو أخلاق ومكانة اجتماعية ولكن بسبب ما يشكلونه من تأثير ووزن اجتماعي يتم اختراق حياتهم الخاصة من المطبخ الى غرفة الاستقبال الى مكتب العمل وهو أمر خطير وجب على الشرطة الالكترونية وكذا المشروع أن يقفزوا قفزة مكوكية لتدارك هذا الانحراف الاجرامي الذي يتم في صمت وفي الخفاء وضد من هم ليسوا بمجرمين أو ربما تكون الفئة المستهدفة شباب في ريعان القوة من أجل استدراجهم نحو الرذيلة أو الهجرة غير الشرعية باقتراح مناصب عمل وهمية لتفريغ حصانة الدول من أهم قوة بنائية لها وهي هؤلاء الشباب ،يعني عدو الخفاء لا يمكن لك أن تعرف هويته الحقيقية وغرضه من الجريمة السيبرانية المستحدثة الا وأنت تغوص في أعماق شبكات التواصل الاجتماعي وتبحث في حقيقة الأسماء المستعارة ودول الإقامة وكذا الجنسية ومعظمهم ستكون لهم خلفيات عدائية لكل ما هو وطني أصيل وذو قيم ومبادئ وطبعا هذه مهمة الشرطة الالكترونية وحتى مختلف عناصر الأمن الأخرى.

وكما أن الخصوصية الفردية هي حق هي أيضا مسؤولية ولذلك يجب الانتباه الى طبيعة العلاقات التي تنشأ عن طريق الأنترنت وطبيعة المواضيع المطروحة للنقاش وكذا أسباب طلبات الإضافة على الصفحات ،وبما أن التكنولوجيا الرقمية قد تغولت في الفضاء الأزرق وباتت تفرض تطبيقات يجب اتباعها هذا من شأنه أن يطرح مسألة الاستمرار في استعمال منصات التواصل الاجتماعي أو الانعزال عنها ،كذلك مضمون بعض التطبيقات مثل التيك توك وغيره كثير ،وبالتالي لا يمكن مسايرة الأحداث بما تطرحه هذه المنصات من مواضيع وبشكل سريع ،ما يعني أن التقنية المصدرة من الخارج والأجهزة الحاسوبية التي تم اقتناؤها دون التثبت بما في محتواها ومعرفة أهم النقائص التي بيعت بها يجعل من العقول المرتادة لاقتنائها تكتفي بالرضى وهو استخدامها في المجال العملي أو البحثي أو التجاري، دون مراعاة شرط الضمان في عدم اختراق الخصوصية بواسط مضادات الفايروسات التي قد تتطور وتصبح آليات تجسس بدل آليات أمان وحماية للأجهزة الحاسوبية.

دون أن ننسى مدى الترابط فيما بين الشبكات الاجرامية التي تنتهج القتل والسرقة بشكل منظم والتي تعتمد بالأساس على المعطيات السيبرانية التي تم الحصول عليها من أرقام بطاقات الائتمان ونموذج الامضاء على الشيكات أو الحوالات الرقمية، من شأنه أن يقيد حرية المتعاملين الاقتصاديين ضمن دائرة الابتزاز التي تشارك فيها جماعات إجرامية ومن شتى الدول ،واذا كان اختراقهم للمجال الحدودي قد تم بسلاسة للوصول الى جيوب المواطنين واستهدافهم نحو التسلط على ممتلكاتهم ومن ثم قتلهم والتنكيل بهم فهنا وجب الوقوف وقفة قانونية صارمة لمعرفة كيفية دخول الأشخاص الغرباء ذوي الجنسيات المختلقة وعلى أي أساس تم قدومهم للبلد، هل لسبب السياحة أو الاستثمار؟ كما يجب التثبت من نوعية النشاط الذي بسببه دخلوا التراب الوطني، ولو تم ربط الجريمة السيبرانية مع الجريمة المنظمة بات من الواضح جدا أن المستهدف هو الأمن القومي وسلامة الأفراد والتي تؤدي الى محاولة زرع البلبلة والفوضى في الوقت الذي تنهمك فيه الدولة مع رجالها المخلصين نحو تطهير البلد من عفن الفساد وخصوم الإصلاح، وبالتالي وجب اليقظة و الحذر من أي اختراق وكذا من الصفقات التي تتم باسم الاستثمار أو السياحة أو تبادل العلاقات التي تتحول الى مجازر وضحايا..والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق المشرع ورجال الأمن وكذا المواطن في المساهمة في كشف ثوب الجريمة السيبرانية الجديد واعفاء الضحايا من هذا المسمى في أن يبقوا ضحايا دائما لهذا النوع من الاجرام،لأن العصر الحالي لا يرحم بتسارعه وتحصين الجبهة الداخلية تترنح وسط ارتفاع مستوى الجريمة يوميا وبين متطلبات مواطبة رزنامة التقدم و اشعارات الحرب التي قد تتحول في لحظة ما الى مفجرة عالمية..فهل أدركنا ضرورة تحصين الجبهة الداخلية من هكذا جرائم ومخاطر أم سيبقى المواطن والسلطات غير آبهين بما يحدث داخليا من مؤامرات؟، فالخارج يكتظ بالأحداث التي تمهد لما هو أصعب.

جميع الحقوق محفوظة للاستاذة : سميرة بيطام

شاهد أيضاً

سميرة بيطام

سميرة بيطام: ماذا خسرت الجزائر بموت قاماتها؟

أخبار بلا حدود- وتسجل الجزائر مرة أخرى ضمن مقادير الله عزو وجل رحيل الهامة الكبيرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!